مذكرات عفنـــــــــ قليب الوجه ـــــــــــــــون

{إن في الفقر عزلة، لكنها عزلة تعيد لكل شيء قيمته}
ألبير كامو
حين كنت صغيرا و عندما كنت أغضب، كنت ألتزم الصمت، ليس صمت الخانعين
و لا الخائفين، بل صمتا أعيد خلاله ترتيب العالم بداخلي، كان يروقني أن أراجع كل
ما حدث أمام عيني التي تحدق في الذي راح، و تتأمل القادم بحذر، خلال كل ما عشته
من ذكريات كنت أخرج بيقين واحد فقط ، هو أنه مازال أمامي الكثير لأتعلمه،
و الأكثر لأكتشفه.
جحــــود
لعل الشيء المشترك الذي يتقاسمه الناس، و يشتركون في المعاناة منه
هو الهجر أو بعبارة أكثر ملاءمة "قليب الوجه"، ففي حياة كل واحد منا معاناة
من هذا القبيل، كل واحد منا تجرع مرارة خيبة الأمل في أناس اعتقدهم ملائكة،
فصاروا شياطين، أناس بنينا على أكتافهم آمالنا و أحلامنا البسيطة، فتهدمت كقصور
من رمال، لا تكاد تخلو قلوبنا من ندوب و جراح تركها غدر أصدقاء و أحباب،
فصارت الذكرى ملحا يرش على الجراح ليصحو الألم، الليل يحمل إلينا صور
أصدقاء و أحباب نسوا أحلى أوقاتنا معهم، و تنكروا لما جمعنا من ود و محبة،
صور جميلة مسودة الأطراف، تكاد تصير شوهاء، الذكريات الجميلة تعذبنا بعمق،
نضرب أخماس في أسداس نحاول فهم سر هذا التقلب، كثيرات ينسين الحبيب عندما
يدق بابها أول عريس يخطب ودها، أصدقاء يمحون الماضي حين يحصلون على وظيفة،
و يتنكرون لأولاد الدرب، و رفاق المعاناة و العطالة عن العمل، بعدما يكون دورهم
قد انتهى، و حان الوقت لبدء صفحة جديدة بعيدا عن وقفة رأس الدرب و التسكع
على الأقدام، أو المغامرة بالسليت في الطوبيس، ذكريات كهذه لا تسر قلبه
و لا خاطره، فيهرب منها و ممن يذكرونه بها، رجال تنكروا لزوجاتهم بعدما أغناهم
الله، و باتوا يبحثون عن زوجة شابة تتلاءم و الوضع الجديد، و هنا أتذكر النكتة
التي تقول إن أحد المستفيدين من المغادرة الطوعية عاد إلى البيت حاملا الشيك،
فقال لزوجته :"كم تأخذين مقابل مغادرة طوعية للبيت؟".
حين تحل الانتخابات حتما سيطرق بابكم مترشح بئيس يكاد الزبد يخرج
من فهم و هو يطلق الوعود الكاذبة كصواريخ عابرة للقارات، و حين سيصل كراسي
المسؤولية سيصير أقصى حلمك أن تراه مرة ثانية، و إذا رأيته فلا تحلم بأن تكلمه،
لأنك لست من مستواه، هؤلاء الناس الذين يرشحون أنفسهم لتمثيل المواطنين
حين تسمع كلامهم قبل الإمساك بزمام السلطة يخيل اليك أنهم الملائكة تمشي
على الأرض،فيما بعد يصير الطغيان عنوانه، و لعل أكثر ما يهمنا هنا هم الأصدقاء
الذين يغتنون فيشمخون برؤوسهم، حتى عن أقرب المقربين اليهم، و منهم من
هجر والديه، و اختار أن يغرد خارج السرب، فما أقسى أن تجعلنا المهنة
أو المال مسوخا حين ننسى من نحب، و ما أسوأ أن نهجر ماضينا الجميل، و أهلنا
الرائعين الذين قد لا تسعفنا الحياة بمثلهم قط.