منتديات الوفاء
مرحبا بك يا زائر في منتديات الوفاء للافادة و الاستفادة ، ان كنت عضو ننتظر دخولك، و ان كنت زائر فقط فنتمنى أن تشارك معنا
منتديات الوفاء
مرحبا بك يا زائر في منتديات الوفاء للافادة و الاستفادة ، ان كنت عضو ننتظر دخولك، و ان كنت زائر فقط فنتمنى أن تشارك معنا
منتديات الوفاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الوفاء

منتديات الوفاء للمواضيع و البرامج و الاسلاميات و التقنيات و الميلتيمديا
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شخصيات إسلامية متجدد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
saoudi
المدير العام
المدير العام
saoudi


عدد الرسائل : 6048
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

شخصيات إسلامية متجدد Empty
مُساهمةموضوع: شخصيات إسلامية متجدد   شخصيات إسلامية متجدد I_icon_minitimeالإثنين 14 سبتمبر 2009, 09:38

بسم الله الرحمن الرحيم

أحببت أن أطرح هذا الموضوع للفائدة العظيمة إن شاء الله تعالى

فكم منا لا يعرف الشخصيات الإسلامية المشهورة ولكنه يعرف أسماء جميع المطربين والفنانين وأعمالهم

بينما نجد الغرب الصليبي يعرف جميع عظمائه ويتفاخر بهم

وأنا إن شاء الله سوف أطرح كل فترة شخصية إسلامية جديدة حتى يتسنى لنا معرفة عظمائنا

و نتمنى من الجميع المشاركة في الموضوع ليس بالشكر بل بذكر عظمائنا
والسلام خير ختام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
saoudi
المدير العام
المدير العام
saoudi


عدد الرسائل : 6048
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

شخصيات إسلامية متجدد Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات إسلامية متجدد   شخصيات إسلامية متجدد I_icon_minitimeالإثنين 14 سبتمبر 2009, 09:39

بسم الله الرحمن الرحيم

أبدأ مع التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله تعالى الذي أدرك ستين صحابياً
وأخذ عنهم



التابعى الجليل

وصف بأنه من كان من سادات التابعين وكبرائهم، وجمع كل فن من علم وزهد وورع وعبادة ومن القلائل الذين أجرى الله الحكمة على ألسنتهم فكان كلامه حكمة وبلاغة إنه التابعي الجليل الحسن البصري.

نسبه ونشأته

هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، ولد الحسن في أواخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة، وأبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وأمه خيرة مولاة أم سلمة زوج النبي وكانت أمه ربما غابت في حاجة فيبكي فتعطيه أم سلمة رضي الله عنها ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه فدر عليه ثديها فشربه فيرون أن تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك.

ونشأ الحسن بوادي القرى وكان من أجمل أهل البصرة حتى سقط عن دابته فحدث بأنفه ما حدث.

وحكى الأصمعي عن أبيه قال ما رأيت أعرض زندا من الحسن كان عرضه شبرا. وقال أبو عمرو بن العلاء ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج ابن يوسف الثقفي فقيل له فأيهما كان أفصح قال الحسن.

مواقف من حياته

كان الحسن يقص (يحكى القصص) في الحج فمر به علي بن الحسين فقال له يا شيخ أترضى نفسك للموت قال لا قال فلله في أرضه معاد غير هذا البيت قال لا قال فثم دار للعمل غير هذه الدار قال لا قال فعملك للحساب قال لا قال فلم تشغل الناس عن طواف البيت قال: فما قص الحسن بعدها.

***

وقيل إن رجلا أتى الحسن فقال يا أبا سعيد إني حلفت بالطلاق أن الحجاج في النار فما تقول أقيم مع امرأتي أم أعتزلها فقال له قد كان الحجاج فاجرا فاسقا وما أدري ما أقول لك إن رحمة الله وسعت كل شيء وإن الرجل أتى محمد بن سيرين فأخبره بما حلف فرد عليه شبيها بما قاله الحسن وإنه أتى عمرو بن عبيد فقال له أقم مع زوجتك فإن الله تعالى إن غفر للحجاج لم يضرك الزنا ذكر ذلك.

***

وكان في جنازة وفيها نوائح ومعه رجل فهم الرجل بالرجوع فقال له الحسن يا أخي إن كنت كلما رأيت قبيحا تركت له حسنا أسرع ذلك في دينك

****

وقيل له ألا ترى كثرة الوباء فقال أنفق ممسك وأقلع مذنب واتعظ جاحد.

****

ونظر إلى جنازة قد ازدحم الناس عليها فقال ما لكم تزدحمون ها تلك هي ساريته في المسجد اقعدوا تحتها حتى تكونوا مثله.

***

وحدث الحسن بحديث فقال له رجل يا أبا سعيد عن من فقال وما تصنع بعن من أما أنت فقد نالتك موعظته وقامت عليك حجته.

***

وقال لفرقد بن يعقوب بلغني أنك لا تأكل الفالوذج فقال يا أبا سعيد أخاف ألا أؤدي شكره قال الحسن يا لكع هل تقدر تؤدي شكر الماء البارد الذي تشربه.

***

وقيل للحسن إن فلانا اغتابك فبعث إليه طبق حلوى وقال بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك بهذا

***

ولما ولي عمر بن هبيرة الفزاري العراق وأضيفت إليه خراسان وذلك في أيام يزيد بن عبد الملك استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي وذلك في سنة ثلاث ومائة فقال لهم إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده وأخذ عليهم الميثاق بطاعته وأخذ عهدنا بالسمع والطاعة وقد ولاني ما ترون فيكتب إلي بالأمر من أمره فأنفذ ذلك الأمر فما ترون؟! فقال ابن سيرين والشعبي قولا فيه تقية فقال ابن هبيرة ما تقول يا حسن فقال يا ابن هبيرة خف الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله وأوشك أن يبعث إليك ملكا فيزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم لا ينجيك إلا عملك يا ابن هبيرة إن تعص الله فإنما جعل الله هذا السلطان ناصرا لدين الله وعباده فلا تركبن دين الله وعباده بسلطان الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأجازهم ابن هبيرة وأضعف جائزة الحسن فقال الشعبي لابن سيرين سفسفنا له فسفسف لنا.

من كلماته

ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت.

ورأى الحسن يوما رجلا وسيما حسن الهيئة فسأل عنه فقيل إنه يسخر للملوك ويحبونه فقال لله أبوه ما رأيت أحدا طلب الدنيا بما يشبهها إلا هذا.

وفاته

وتوفي بالبصرة مستهل رجب سنة عشر ومائة رضي الله عنه وكانت جنازته مشهودة قال حميد الطويل توفي الحسن عشية الخميس وأصبحنا يوم الجمعة ففرغنا من أمره وحملناه بعد صلاة الجمعة ودفناه فتبع الناس كلهم جنازته واشتغلوا به فلم تقم صلاة العصر بالجامع ولا أعلم أنها تركت منذ كان الإسلام إلا يومئذ لأنهم تبعوا كلهم الجنازة حتى لم يبق بالمسجد من يصلي العصر وأغمي على الحسن عند موته ثم أفاق فقال لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم.

وقال رجل قبل موت الحسن لابن سيرين رأيت كأن طائرا أخذ أحسن حصاة بالمسجد فقال إن صدقت رؤياك مات الحسن فلم يكن إلا قليلا حتى مات الحسن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
saoudi
المدير العام
المدير العام
saoudi


عدد الرسائل : 6048
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

شخصيات إسلامية متجدد Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات إسلامية متجدد   شخصيات إسلامية متجدد I_icon_minitimeالإثنين 14 سبتمبر 2009, 09:40

بسم الله الرحمن الرحيم


الشخصية الإسلامية الثانية

ابن سيرين رحمه الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا رأوه ذكروا الله

اشتهر بتفسير الأحلام وكان في تأويله للرؤى يأمر بتقوى الله ويبشر الناس أن من رأي ربه في المنام دخل الجنة، إنه التابعي الجليل محمد بن سيرين الذي كان مثالا يحتذي في الورع والزهد والعبادة، مما جعل الناس في زمانه إذا رأوه كبروا، ويقول أحد معاصريه كان محمد بن سيرين قد أعطى هديا وسمتا وخشوعا فكان الناس إذا رأوه ذكروا الله.

نسبه

محمد بن سيرين يكنى أبا بكر، وقال ابن عائشة كان سيرين والده من أهل جرجرايا وكان يعمل قدور النحاس فجاء إلى عين التمر يعمل بها فسباه خالد بن الوليد. وكان مولى أنس بن مالك كاتبه أنس، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك قال هذه مكاتبة سيرين عندنا هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه شيرون على كذا وكذا ألفا وعلى غلامين يعملان عليه.

وعن بكار بن محمد قال حدثني أبي أن أم محمد بن سيرين صفية مولاة أبي بكر بن أبي قحافة طيبها ثلاث من أزواج رسول الله ودعوته لها وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريا منهم أبي ابن كعب يدعو وهم يؤمنون.

فضله ومناقبه

كان بن سيرين من أعلام التابعين، وإماما من أئمة الزهد والورع، قال ابن عون كان محمد بن سيرين إذا حدث كأنه يتقى شيئا أو يحذر شيئا.

وقال جرير بن حازم سمعت محمد بن سيرين يحدث رجلا فقال ما رأيت الرجل الأسود ثم قال أستغفر الله ما أراني إلا قد اغتبت الرجل.

قال مورق العجلى: ما رأيت رجلا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين. وقال أبو قلابة اصرفوه حيث شئتم فلتجدنه أشدكم ورعا وأملككم لنفسه، وأينا يطيق ما يطيق محمد بن سيرين يركب مثل حد السنان.

قال أبو عوانة رأيت محمد بن سيرين يمر في السوق فيكبر الناس.

قال ابن سيرين إذا أراد الله عز وجل بعبده خيرا جعل له واعظا من قلبه يأمره وينهاه.

وعن الأشعث قال كان محمد بن سيرين إذا سئل عن شيء من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان.

وأوصى أنس بن مالك أن يغسله محمد بن سيرين فقيل له في ذلك وكان محبوسا فقال أنا محبوس قالوا قد استأذن الأمير فأذن لك في ذلك قال فإن الأمير لم يحبسني إنما حبسني الذي له الحق فأذن له صاحب الحق فخرج فغسله.

عن رجاء بن أبي سلمة قال سمعت يونس بن عبيد يقول أما ابن سيرين فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما.

قالت حفصة بنت سيرين كان محمد إذا دخل على أمه لم يكلمها بلسانه كله تخشعا لها.

وعن ابن عون قال دخل رجل على محمد وهو عند أمه فقال ما شأن محمد يشتكى شيئا فقالوا لا ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.

قال ابن سيرين ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره.

وعن ابن عون قال أرسل ابن هبيرة إلى ابن سيرين فأتاه فقال له كيف تركت أهل مصرك قال تركتهم والظلم فيهم فاش.

قال ابن عون كان محمد يرى أنها شهادة يسأل عنها فكره أن يكتمها.

تفسيره للرؤى

عرف بن سيرين بتفسير الرؤى والأحلام وله كتاب مشهور في ذلك و كان الرجل إذا سأل ابن سيرين عن الرؤيا قال اتق الله عز وجل في اليقظة ولا يضرك ما رأيت في المنام.

ومن عجائب تفسيره للأحلام:

1-عن يوسف الصباغ عن ابن سيرين قال من رأى ربه تعالى في المنام دخل الجنة.

2-عن خالد بن دينار قال كنت عند ابن سيرين فأتاه رجل فقال يا أبا بكر رأيت في المنام كأني أشرب من بلبلة لها مثقبان فوجدت أحدهما عذبا والآخر ملحا قال ابن سيرين اتق الله لك امرأة وأنت تخالف إلى أختها.

3-عن أبي قلابة أن رجلا قال لابن سيرين رأيت كأني أبول دما قال تأتي امرأتك وهي حائض قال نعم قال اتق الله ولا تعد.

4-عن أبي جعفر عن ابن سيرين أن رجلا رأى في المنام كأن في حجره صبيا يصيح فقص رؤياه على ابن سيرين فقال اتق الله ولا تضرب العود.

5-عن حبيب أن امرأة رأت في المنام أنها تحلب حية فقصت على ابن سيرين فقال ابن سيرين اللبن فطرة والحية عدو وليست من الفطرة في شيء هذه امرأة يدخل عليها أهل الأهواء.

6-رأى الحجاج بن يوسف في منامه رؤيا كأن حوراوين أتتاه فأخذ إحداهما وفاتته الأخرى فكتب بذلك إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك هنيئا يا أبا محمد فبلغ ذلك ابن سيرين فقال أخطأت هذه فتنتان يدرك إحداهما وتفوته الأخرى قال فأدرك الجماجم وفاتته الأخرى.

7-رأى ابن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا فأخذ في وصيته قال يموت الحسن البصري وأموت بعده هو أشرف مني.

8-قال رجل لابن سيرين إني رأيت كأني ألعق عسلا من جام من جوهر فقال اتق الله وعاود القرآن فإنك رجل قرأت القرآن ثم نسيته.

9-وقال رجل لابن سيرين رأيت كأني أحرث أرضا لا تنبت قال أنت رجل تعزل عن امرأتك.

10-قال رجل لابن سيرين رأيت في المنام كأني أغسل ثوبي وهو لا ينقى قال أنت رجل مصارم لأخيك.

11-وقال رجل لابن سيرين رأيت كأني أطير بين السماء والأرض قال أنت رجل تكثر المنى.

12-جاء رجل إلى ابن سيرين فقال إني رأيت كأني على رأسي تاجا من ذهب فقال له ابن سيرين اتق الله فإن أباك في أرض غربة وقد ذهب بصره وهو يريد أن تأتيه قال فما راده الرجل الكلام حتى أدخل يده في حجزته فأخرج كتابا من أبيه يذكر فيه ذهاب بصره وأنه في أرض غربة ويأمر بالإتيان إليه.

مواقف من حياته

عن ابن عون قال كانوا إذا ذكروا عند محمد رجلا بسيئة ذكره محمد بأحسن ما يعلم وقال طوق بن وهب دخلت على محمد بن سيرين وقد اشتكيت فقال كأني أراك شاكيا قلت أجل قال اذهب إلى فلان الطبيب فاستوصفه ثم قال اذهب إلى فلان فإنه أطب منه ثم قال أستغفر الله أراني قد اغتبته.

و كان محمد بن سيرين إذا مشى معه رجل قام وقال ألك حاجة فإن كان له حاجة قضاها فإن عاد يمشى معه قام فقال له ألك حاجة.

عن هشام عن ابن سيرين أنه اشترى بيعا فأشرف فيه على ثمانين ألفا فعرض في قلبه منه شيء فتركه قال هشام والله ما هو بربا، وعن السرى بن يحيى قال لقد ترك ابن سيرين ربح أربعين ألفا في شيء دخله، قال سرى فسمعت سليمان التيمي يقول لقد تركه في شيء ما يختلف فيه أحد من العلماء.

وكان ابن سيرين إذا دعي إلى وليمة أو إلى عرس يدخل منزله فيقول اسقوني شربة سويق فيقال له يا أبا بكر أنت تذهب إلى الوليمة أو العرس تشرب سويقا فيقول إني أكره أن أحمل حد جوعي على طعام الناس.

عن ابن شوذب قال كان ابن سيرين يصوم يوما ويفطر يوما وكان اليوم الذي يفطر فيه يتغذى ولا يتعشى ثم يتسحر ويصبح صائما.

وروي عن موسى بن المغيرة قال رأيت محمد بن سيرين يدخل السوق نصف النهار يكبر ويسبح ويذكر الله عز وجل فقال له رجل يا أبا بكر في هذه الساعة قال إنها ساعة غفلة.

وعن جعفر بن مرزوق قال بعث ابن هبيرة إلى ابن سيرين والحسن والشعبي قال فدخلوا عليه فقال لابن سيرين يا أبا بكر ماذا رأيت منذ قربت من بابنا قال رأيت ظلما فاشيا قال فغمزه ابن أخيه بمنكبه فالتفت إليه ابن سيرين فقال ابن سيرين إنك لست تُسأل إنما أُسأل أنا فأرسل إلى الحسن بأربعة آلاف وإلى ابن سيرين بثلاثة آلاف وإلى الشعبي بألفين فأما ابن سيرين فلم يأخذها

وعن جعفر بن أبي الصلت قال قلت لمحمد بن سيرين ما منعك أن تقبل من ابن هبيرة قال فقال لي يا أبا عبدالله أو يا هذا إنما أعطاني على خير كان يظنه بي ولئن كنت كما ظن بي فما ينبغي لي أن أقبل وإن لم أكن كما ظن فبالحري أن لا يجوز لي أن أقبل.

عبادته

عن عبيد الله بن السري قال: قال ابن سيرين إني لأعرف الذنب الذي حمل به على الدين ما هو قلت لرجل منذ أربعين سنة يا مفلس فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندرى من أين نؤتى.

عن عاصم الأحول قال كان عامة كلام ابن سيرين سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم عن هشام بن حسان قال ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في جوف الليل وهو يصلى.

عن أنس بن سيرين قال كان لمحمد بن سيرين سبعة أوراد يقرؤها بالليل فإذا فاته منها شيء قرأه من النهار.

وعن هشام قال كان ابن سيرين يحيى الليل في رمضان.

عن دهير قال كان ابن سيرين إذا ذكر الموت مات كل عضو منه على حدته.

قال مهدى كنا نجلس إلى محمد فيحدثنا ونحدثه ويكثر إلينا ونكثر إليه فإذا ذكر الموت تغير لونه واصفر وأنكرناه وكأنه ليس بالذي كان.

وفاته

وتوفى في سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم وهو ابن نيف وثمانين سنة

المصدر: سير أعلام النبلاء، وصفة الصفوة، ووفيات الأعيان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
saoudi
المدير العام
المدير العام
saoudi


عدد الرسائل : 6048
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

شخصيات إسلامية متجدد Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات إسلامية متجدد   شخصيات إسلامية متجدد I_icon_minitimeالإثنين 14 سبتمبر 2009, 09:42

بسم الله الرحمن الرحيم

الشخصية الإسلامية الثالثة

الإمام جعفر الصادق رحمه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه

قد نأسف ونحزن عندما نقرأ كتابا فقهيا ليس فيه نبذة عن هذا الامام العظيم العالم

المفسر الفقيه ابي عبد الله جعفر الصادق رضي الله عنه وارضاه

هو جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهم

المولد والنشأة

في المدينة المنورة كان مولد جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي في (8 من رمضان 83هـ= 5 من أكتوبر 702م)، وكانت المدينة موئل العترة من آل البيت، وفي وسط هذه الأجواء المعبقة بأريج النبوة نشأ جعفر الصادق نشأة كريمة في بيت علم ودين، وأخذ العلم عن أبيه محمد الباقر، وجده لأمه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، المتوفى سنة (108هـ= 725م) أحد فقهاء المدينة السبعة المشهود لهم بسعة العلم والفقه.

كما اتصل بابن شهاب الزهري أحد فحول العلم وتتلمذ على يديه، ومن شيوخه في الحديث عبيد الله بن أبي رافع وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح ، ومحمد بن المنكدر، كما رحل إلى العراق طلبا للعلم، وكانت له عناية بالفقه وشغف باختلاف الفقهاء، ومعرفة مناهجهم، وتطلب ذلك منه معرفة واسعة بعلوم القرآن والحديث، والناسخ والمنسوخ.

معرفته بالكيمياء

كان لجعفر الصادق معرفة واهتمام بالكيمياء، واشتغل بها وبغيرها من العلوم الكونية الأخرى كالفلك وعلم الحيوان وعلم الأرض، ولا تذكر المصادر التاريخية عمن تلقى جعفر هذه العلوم، لكنها تذكر أن جابر بن حيان عالم الكيمياء المعروف تتلمذ عليه، فيقول ابن خلكان في وفيات الأعيان: ".. وله كلام في صناعة الكيمياء.. وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيان الصوفي الطرسوسي قد ألّف كتابًا يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق"، ويذكر حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون" اسم جابر بن حيان مصحوبًا بعبارة تلميذ جعفر الصادق، ووضع محمد يحيى الهاشمي كتابًا عن أثر جعفر الصادق في هذا الميدان بعنوان "الإمام الصادق ملهم الكيمياء".

ابتعاده عن السياسة

عاش جعفر الصادق بعيدًا عن غمار السياسة والدخول في متاعبها والاصطلاء بنارها، وهذا ما يفسر أنه ظل بعيدًا عن اضطهاد الأمويين والعباسيين لبعض رجال آل البيت، ممن تطلعت نفوسهم إلى منصب الخلافة وحاولوا نيلها بالقوة والسلاح، وعاش مكرمًا مبجلا على الرغم من شيوع الفتن والدسائس في عصره، ولم ينجرف إلى مناهضة الحكام حين حاول بعض الدعاة إغراءه، وإلى ذلك يشير الشهرستاني في الملل والنحل بقوله: "ما تعرض للإمامة قط، ولا نازع أحدًا في الخلافة، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط..".

وعلى الرغم من إعراضه عن تلك الحياة القلقة وركونه إلى ما هو أبقى وأخلد، فإن أبا جعفر المنصور الخليفة العباسي كان يتوجس منه خيفة لما رأى من التفاف الناس حوله وتقديرهم لعلمه ومكانته، ويبث من حوله العيون التي ترصد حركاته وسكناته، لكن الإمام الصادق كان بعيدًا عن كل شبهة، لا هم له سوى العلم والعبادة.

نشاطه العلمي

كان الصادق من الأئمة المجتهدين الذين يستخرجون الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة غير تابعين لأحد في اجتهادهم، وكان صاحب منهج أصولي لاستنباط الأحكام، ومن مبادئه في التشريع أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد فيها نهي، وكان لا يأخذ بالقياس؛ لأنه رأي، وإنما يرجع إلى ما ورد في الأصل من الكتاب والسنة.

وتتلمذ على جعفر الصادق كثير من الأئمة الكبار، في مقدمتهم "أبو حنيفة النعمان" المتوفى سنة (150هـ=767م)، و"مالك بن أنس" المتوفى (179م= 795م)، وابنه "موسى الكاظم" المتوفى (183هـ= 799م)، و"سفيان بن عيينة" المتوفى سنة (198هـ= 814م)، وحدّث عنه كثيرون من أئمة الحديث، مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري وابن إسحاق، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، ويحيى القطان، وآخرين ذكرهم الذهبي في سير أعلام النبلاء.

والإمام جعفر ثقة عند أهل الحديث يقبلون حديثه، وثّقه الشافعي ويحيى بن معين وغيرهما، ويصفه ابن حبان بقوله: "كان من سادات أهل البيت فقها وعلمًا وفضلا، يحتج بحديثه من غير رواية أولاده عنه"، وأخرج له مسلم في صحيحه، وأصحاب السنن الأربعة: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

وكان جعفر يجل الصحابة أجمعين ويرفض سب أبي بكر وعمر، فيروي سالم بن أبي حفصة، وهو راو صدوق، قال: سألت أبا جعفر وابنه جعفر عن أبي بكر وعمر، فقال: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى. ثم قال جعفر يا سالم: أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة محمد (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما، وأبرأ من عدوهما.

من وصاياه

ولجعفر الصادق حكم وأدعية أشبه بكلام النبوة، خرجت من نفس كريمة، وقلب مؤمن عظيم الإيمان، ورد كثير منها في كتب الشيعة، وروى بعضها الشهرستاني في الملل والنحل، والذهبي في سير أعلام النبلاء، من ذلك وصيته لابنه موسى، يقول فيها:

"يا بني، من قنع بما قسم له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرًا، ومن لم يرض بما قسم له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه، ومن كشف حجاب غيره انكشفت عورته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيها.. يا بني، كن للقرآن تاليًا، وللسلام فاشيًا، وللمعروف آمرًا، وعن المنكر ناهيًا، ولمن قطعك واصلا، ولمن سكت عنك مبتدئًا...".

ومن كلامه: "لا زاد أفضل من التقوى، ولا شيء أحسن من الصمت، ولا عدو أضر من الجهل، ولا داء أدوأ من الكذب".

مؤلفاته

ينسب إلى الإمام الصادق عدد من الكتب لم يصل إلينا منها شيء، مثل: "كتاب الرد على القدرية"، وكتاب "الرد على الخوارج"، وكتاب "الرد على الغلاة من الروافض"، بالإضافة إلى بعض الرسائل التي كان يمليها على تلاميذه، ومنها وصاياه إلى ابنه موسى الكاظم، ورسالة في شرائع الدين، ورسالة إلى أصحاب الرأي والقياس، وتنسب إليه رسائل في الكيمياء جمعها تلميذه جابر بن حيان، وقد روت الشيعة عنه الكثير، حتى صنفوا من إجاباته عن المسائل كتبًا كثيرة سموها "الأصول"، فالمعروف أنه لم يرو عن أحد من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ما روي عن جعفر الصادق.



من أٌقواله رضي الله عنه

قال رضي الله عنه: لا تصحب خمسة:
الكذاب: فإنك منه على غرور، وهو مثل السراب يقرب منك البعيد، ويبعد منك القريب.
والأحمق: فإنك لست منه على شيء، يريد أن ينفعك فيضربك.
والبخيل: فإنه يقطع بك أحوج ما تكون إليه.
والجبان: فإنه يسلمك ويفر عند الشدة.
والفاسق: فإنه يبيعك بأكلة أو أقل منها، قيل: وما أقل منها؟ قال: الطمع فيها ثم لا ينالها.
وقد رود: لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلك على الله مقاله.


وهو القائل ( ( كلام الله ليس بمخلوق منه بدأ وإليه يعود )



ولا نريد ان نأتي بالمزيد من أقواله خوفا لكثرة ما نسب له ولكن هذا الواضح من أقواله

رضي الله عنه والله تعالى اعلم



طب الامام جعفر الصادق رضي الله عنه

هو القائل:

- ليس شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل، وهي مورثة شيئين:
قسوة القلب وهيجان الشهوة، والجوع آدام للمؤمن، وغذاء الروح وطعام القلب وصحة البدن.

- ماذا قال في التخمة ؟
ان ادخال الطعام علي المعدة قبل هضم الأول، والزيادة في الكمية التي يحتاجها الجسم، والاكثار من الأغذية المختلفة التركيب وعديدة التنوع، ان ذلك يورث الأمراض خاصة ارهاق القلب والمعدة، وضيق النفس، وثقل الرأس وكسل وقلق ونفخة في البطن والأمعاء.

قال الامام:
الطبائع اربع:
الدم، وهو عبد وربما قبل العبد سيده.
الريح، وهو عدو اذا سددت له بابا أتاك من آخر
البلغم، وهو ملك يداري
المرة، وهي الأرض اذا جفت ، رجفت بمن عليها.

- وفي الطعام قال:
لو اقتصد الناس في المطعم لاستقامت أبدانهم.

- ثلاث يسمن وثلاث يهزلن:
الثلاث الأول هي الحمام ، والرائحة الطيبة، لبس الثياب اللينة.
والتي يهزلن: ادمان أكل البيض والسمك والضلع ( أي امتلاء البطن من الطعام)


وصيته في فراش الموت رضي الله عنه

نقل الإمام الزواوي في كتابه المؤلف في مناقب الإمام مالك –رحمه الله- " أن قوما من أهل الكوفة، دخلوا على جعفر الصادق في مرضه الذي توفي فيه- رحمه الله- فسألوه أن ينصب لهم رجلاً بعده يرجعون إليه في أمر دينهم، فقال : " عليكم بقول أهل المدينة، فإنها تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد، عليكم بآثار من مضى، فإني أعلمكم أني متبع غير مبتدع، عليكم بفقه أهل الحجاز، عليكم بالميمون المعان المبارك في الإسلام، المتبع آثار رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقد امتحنته فوجدته فقيها فاضلا، متبعا مريداً، لا يميل به الهوى، ولا تزدريه الحاجة، ولا يروي إلا عن أهل الفضل من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فإن اتبعتموه أخذتم بحظكم من الإسلام، وإن خالفتموه ضللتم وهلكتم. ألستم تقولون إني ملئ من العلم، غير محتاج إلى أحد من الخلق، فإنه قد أخذ عني كل ما يحتاج إليه، فلا يميل بكم الهوى فتهلكوا، احذركم عذاب الله يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم...قالوا : من هو ؟ قال : مالك بن أنس "


وفاته

كان الإمام جعفر من أعظم الشخصيات ذوي الأثر في عصره وبعد عصره، وجمع إلى سعة العلم صفات كريمة اشتهر بها الأئمة من أهل البيت، كالحلم والسماحة والجلد والصبر، فجمع إلى العلم العمل وإلى عراقة الأصل كريم السجايا، وظل مقيمًا في المدينة ملجأ للناس وملاذا للفتيا، ومرجعًا لطلاب العلم حتى توفِّي في شوال من سنة (148هـ= 765م)، ودفن في البقيع مع أبيه وجده


وهذه مصادر بعض ماذكر

الذهبي شمس الدين محمد ـ سير أعلام النبلاء ـ تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ (1410هـ= 1990م).

ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ـ تحقيق إحسان عباس ـ دار صادر ـ بيروت ـ (1398هـ= 1978م).

محمد أبو زهرة ـ الإمام الصادق ـ حياته وعصره وآراؤه وفقهه ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة ـ بدون تاريخ.

عبد الحليم الجندي ـ الإمام جعفر الصادق ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ 1986م.

أحمد أمين ـ ضحى الإسلام ـ مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة ـ 1956م.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
saoudi
المدير العام
المدير العام
saoudi


عدد الرسائل : 6048
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

شخصيات إسلامية متجدد Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات إسلامية متجدد   شخصيات إسلامية متجدد I_icon_minitimeالإثنين 14 سبتمبر 2009, 09:43

بسم الله الرحمن الرحيم

الشخصية الإسلامية الرابعة

الإمام سفيان الثوري رحمه الله

أترككم مع نفحات من سيرته

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ونحن مع سيرة رجل من الرجال الذين أنجبتهم هذه الأمة.. إنه عَلَم بحق، كان رأساً في العلم، ورأساً في الزهد والورع وإنكار المنكر والجهر بالحق والعبادة والحفظ.. رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه، وقل من الناس من يعرفه، فلا تكاد ترى له عند العامة ذكراً أو تسمع له عندهم حساً وخبراً.



نسبه ومولده:

إنه أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري رحمه الله تعالى، من قبيلة ثور، وهي قبيلة من مضر، ولد -رحمه الله- سنة سبع وتسعين للهجرة، ودرس على أبيه سعيد بن مسروق ، الذي كان ثقة عند المحدثين، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.



طلبه للعلم ورحلته:

طلب سفيان العلم وهو حدثٌ باعتناء والده المحدث الصادق، وأمه كان لها أثر حسن في توجيهه، قالت أم سفيان لـسفيان : يا بني! اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي. كانت تعمل بالغزل وتقدم لولدها نفقة الكتب والتعلم.. وقالت له مرة: يا بني! إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك! من هذا البيت خرج هذا الرجل، فالتربية التربية يا عباد الله! فإن النشء يخرج هكذا. أفنى عمره في طلب العلم وطلب الحديث، وقال رحمه الله: لما أردت أن أطلب العلم قلت: يا رب! لا بد لي من معيشة، ورأيت العلم يُدرس -أي: يذهب ويندثر تدريجياً- فقلت: أفرغ نفسي في طلبه، قال: وسألت الله الكفاية. وقال: أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة. وقال: ينبغي للرجل أن يكره ولده على طلب الحديث، فإنه مسئول عنه. وكان -رحمه الله- يقول: لا نزال نتعلم العلم ما وجدنا من يعلمنا. وقال: لو لم يأتني أصحاب الحديث ليسمعوا ويكتبوا لأتيتهم في بيوتهم. وبلغ عدد شيوخه ستمائة شيخ، وعن المبارك بن سعيد قال: رأيت عاصم بن أبي النجود -وكان شيخاً جليلاً- يجيء إلى سفيان الثوري يستفتيه، ويقول: يا سفيان ! أتيتنا صغيراً وأتيناك كبيراً. أي: أتيتنا صغيراً تطلب العلم عندنا فتفوقت علينا فجئناك وأنت كبير.. وكان يكتب ويتعلم حتى آخر عمره يشتغل بطلب العلم. دخلوا على سفيان في مرض موته، فحدثه رجل بحديث أعجبه، فضرب سفيان بيده إلى تحت فراشه فأخرج ألواحاً فكتبه -كتب الحديث وهو على فراش الموت- فقالوا له: على هذه الحال منك! فقال: إنه حسن! إن بقيت فقد سمعت حسناً، وإن مت فقد كتبت حسناً. رحل إلى مكة والمدينة ، وحج ولم يخط وجهه بعد، وزار بيت المقدس ، ورحل إلى اليمن للقاء معمر ، وكانت أسفاره ما بين طلب علم وتجارة وهرب.. كان نابغة بحق. عن الوليد بن مسلم قال: رأيت سفيان الثوري بـمكة يستفتى ولم يخط وجهه بعد. وعن أبي المثنى قال: سمعت الناس بـمرو يقولون: قد جاء الثوري قد جاء الثوري ، فخرجت أنظر إليه فإذا هو غلام قد بقل وجهه. أي: نبت شعره من قريب، كان ينوه بذكره في صغره من فرط ذكائه وقوة حفظه. وقال محمد بن عبيد الطنافسي : لا أذكر سفيان الثوري إلا وهو يفتي، أذكره منذ سبعين سنة، ونحن في الكتاب تمر بنا المرأة والرجل فيسترشدوننا إلى سفيان يستفتونه ويفتيهم، ولما رآه أبو إسحاق السبيعي مقبلاً في صغره تمثل بقول الله: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً [مريم:12] .



حفظه للحديث:

كان ذا حافظة عجيبة، قال سفيان عن نفسه: ما استودعت قلبي شيئاً قط فخانني. وكانوا يقدمونه في الحفظ على مالك وعلى شعبة، وقال يحيى القطان : ليس أحد أحب إليَّ من شعبة ولا يعدله أحد عندي، وإن خالفه سفيان أخذت بقول سفيان . وقد خالفه في نحو من خمسين موضعاً في حفظ الأحاديث، وكان الحق فيها مع سفيان . وكان ليله يُقسم جزأين: جزء لقراءة القرآن وقيام الليل، وجزء لقراءة الحديث وحفظه، وكان حفظه يبلغ نحواً من ثلاثين ألفاً، وقال ابن عيينة: ما رأيت رجلاً أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري . وقال شعيب بن حرب : إني لأحسب أن يُجاء غداً بـسفيان حجة من الله على خلقه يقول لهم: لم تدركوا نبيكم قد أدركتم سفيان . وقال أبو بكر بن عياش : إني لأرى الرجل يصحب سفيان فيعظم في عيني. كانت مرافقة الرجل له شرف.. وقال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: كنا نكون عند سفيان فكأنه قد أوقف للحساب من خشيته لله، فلا نجترئ أن نكلمه وهو في تلك الحال من الخشية، فنعرض بذكر الحديث، ونذكر في الكلام بيننا شيئاً عن الحديث، فيذهب ذلك الخشوع فإنما هو حدثنا وحدثنا، ويبدأ بالتحديث. وكان يطلب سماع الحديث وهو مستخف.. لما هرب واضطر للاختفاء كان وهو مستخف يطلب العلم، قال سليمان بن المثنى : قدم علينا سفيان الثوري ، فأرسل إليَّ: إنه بلغني عنك أحاديث وأنا على ما ترى من الحال، فائتني إن خف عليك، قال: فأتيته فسمع مني، وفعل ذلك بعدد من أصحابي. وقال ابن المبارك عن سفيان : كنت أقعد إلى سفيان الثوري فيحدث، فأقول: ما بقي شيء من علمه إلا وقد سمعته، ثم أقعد عنده مجلساً آخر فأقول: ما سمعت من علمه شيئاً.



عمله بالعلم:

وقال عبد الرحمن بن مهدي : سمعت سفيان يقول: ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط إلا عملت به ولو مرة واحدة. كان يحس بالمسئولية، ويخشى أن يقابل الله فيسأله عن كل حديث حفظه: لأي شيء حفظته؟ وهل عملت به؟ رحمه الله تعالى.



ورعه في الفتوى:


ومع علمه كان ورعاً في الفتوى لا يتسرع في الإجابة، قال مروان بن معاوية : شهدت سفيان الثوري وسألوه عن مسألة في الطلاق، فسكت وقال: إنما هي الفروج أي: أخاف أن أفتي بالحل وهي محرمة عليه، فأتسبب في الوقيعة والوقوع في فرج لا تحل له. وقال ابن أسباط: سئل الثوري وهو يشتري عن مسألة، فقال للسائل: دعني فإن قلبي عند درهمي فلست متفرغاً لأفتيك، وقد أخطئ وأنا منشغل بالبيع والشراء.



دقته في الاستنباط:

وكان له دقة عجيبة في الاستنباط والفقه، فعن الفريابي قال: رأينا سفيان الثوري بـالكوفة ، وكنا جماعة من أهل الحديث، فنزل في دار، فلما حضرت صلاة الظهر دلونا دلواً من بئر في الدار، فإذا الماء متغير -متغير بشيء من النجاسة- فقال: ما بال مائكم هذا؟ قلنا: هو كذا منذ نزلنا هذه الدار، فقال: ادلوا دلواً من ماء البئر التي قبلكم، فإذا ماء أبيض، فقال: ادلوا دلواً من بئر الدار التي شرقيكم، فإذا ماء أبيض، ثم قال: ادلوا دلواً من بئر الماء التي غربيكم، فإذا هو ماء أبيض، فقال: ادلوا دلواً من ماء البئر التي شأمكم، فدلوا دلواً فإذا هو ماء أبيض، فقال: إن لبئركم هذه شأناً، كل ما حولها من الآبار نظيفة إلا هذه التي أنتم فيها، فحفرنا فأصبنا عرق كنيف ينزل فيها -عرق من مرحاض ينزل إلى هذه البئر فينجسها- فقال: منذ كم نزلتم هذه الدار؟ فقلنا: منذ أربع سنين، فأمر بإعادة صلاة أربع سنين. وكان -رحمه الله تعالى- حكيماً في تعليمه، وكان يقول: إذا كنت في الشام فاذكر مناقب علي ؛ لأن بعضهم في تلك البلد كانوا يشتمون علياً ، وإذا كنت في الكوفة فاذكر مناقب أبي بكر و عمر ؛ لأن بعض المتشيعين في الكوفة كان يقع في أبي بكر و عمر . وقال ابن المبارك رحمه الله: تعجبني مجالس سفيان الثوري ، كنت إذا شئت رأيته في الحديث، وإذا شئت رأيته في الفروع، وإذا شئت رأيته مصلياً، وإذا شئت رأيته غائصاً في الفقه.



عبادته وخشيته لله:

وكانت عبادته عظيمة -رحمة الله عليه- قال يوسف بن أسباط : قال لي سفيان بعد العشاء: ناولني المطهرة أتوضأ، فناولته فأخذها بيمينه ووضع يساره على خده، فبقي مفكراً، فنمت ثم قمت وقت الفجر فإذا المطهرة في يده كما هي، فقلت: هذا الفجر قد طلع! قال: لم أزل منذ ناولتني المطهرة أتفكر في الآخرة حتى هذه الساعة. وكان عجيباً في قيامه لليل، كان يقوم الليل حتى الصبح في أيام كثيرة، وكان يرفع رجليه على الجدار بعد قيام الليل حتى يعود الدم إلى رأسه، وكان إذا أكل اجتهد في القيام بزيادة، أكل مرة طعاماً ولحماً ثم تمراً وزبداً، ثم قال: أحسن إلى الزنجي -أي: العبد- أحسن إلى الزنجي وكده. ومرة قدم على عبد الرزاق، فقال عبد الرزاق : طبخت له قدر سكباج -لحم مع خل- فأكل، ثم أتيته بزبيب الطائف فأكل، ثم قال: يا عبد الرزاق ! اعلف الحمار ثم كده، وقام يصلي حتى الصباح. وقال علي بن الفضيل : رأيت الثوري ساجداً، فطفت سبعة أسابيع -سبعة أشواط حول الكعبة- قبل أن يرفع رأسه وقال ابن وهب : رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب سجد سجدة فلم يرفع رأسه حتى نودي للعشاء. وكانت خشيته لله أبلغ من أن توصف، قال قبيصة : ما جلست مع سفيان مجلساً إلا ذكرت الموت، وما رأيت أحداً أكثر ذكراً للموت منه. وقال يوسف بن أسباط : كان سفيان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم من خشيته لله عز وجل. وقال سفيان : البكاء عشرة أجزاء: جزء لله، وتسعة لغير الله، فإذا جاء الذي لله في العام مرة فهو كثير.



زهده وورعه وتواضعه:

وكان زاهداً.. أقبلت عليه الدنيا فتركها وأخذ كفايته حتى لا يحتاج إلى الناس، وربما اشتغل ببيع وشراء لأجل ألا يحتاج إلى الناس ولا يمد يده، وكان له وصايا في الزهد، فكان يقول: ليس الزهد بأكل الغليظ ولبس الخشن، ولكن قصر الأمل وارتقاب الموت. وكان يوصي من يخرج في سفر ألا يخرج مع من هو أغنى منه، فيكون إن ساويته بالنفقة أضر بك، إذا أنفقت مثله وهو أغنى منك أضر بك، وإن أنفقت أقل منه ظهرت كأنك بخيل، فاخرج مع من هو مثلك. وأما إنكاره للمنكر فكان شائعاً كثيراً، قال شجاع بن الوليد : كنت أحج مع سفيان فما يكاد لسانه يفتر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهباً وراجعاً. وكان استشعاره لمسئولية إنكار المنكر عظيمة، وخصوصاً الشيء الذي لا يستطيع تغييره، فعن سفيان قال: إني لأرى الشيء يجب عليَّ أن أتكلم فيه فلا أفعل فأبول الدم. وعن ابن مهدي قال: كنا مع الثوري جلوساً بـمكة ، فوثب وقال: النهار يعمل عمله قوموا نعمل، الجلوس إذا كان مضيعة للوقت لا خير فيه. وتواضعه كان عجيباً، وإزراؤه على نفسه كان كثيراً، قال ابن مهدي : بت عنده فجعل يبكي فقيل له عن سبب بكائه، فقال: لذنوبي عندي أهون من ذا -ورفع شيئاً من الأرض- ولكني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت! كان يخشى الله عز وجل في علمه وعمله، وهذه صور من التقوى والورع، وما خفي علينا ولم ينقل إلينا أعظم بكثير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
saoudi
المدير العام
المدير العام
saoudi


عدد الرسائل : 6048
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

شخصيات إسلامية متجدد Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات إسلامية متجدد   شخصيات إسلامية متجدد I_icon_minitimeالإثنين 14 سبتمبر 2009, 09:44

منزلته بين العلماء:

وكذلك فإنه من أئمة الدنيا وطلاب العلم الكبار والعلماء الأفذاذ.. بقي بن مخلد -رحمه الله- كان من علماء الأندلس ، رحل من الأندلس إلى بغداد لملاقاة الإمام أحمد رحمه الله، وحصلت له قصة عجيبة مع الإمام أحمد .. قال فيما يروى عنه: لما قربت من بغداد اتصل بي خبر المحنة التي دارت على أحمد بن حنبل .. المحنة التي جرت على الإمام أحمد معروفة، وكان مما حصل على الإمام أحمد سجن وضرب، وحصل عليه إقامة جبرية، وحصل عليه منع من التحديث والتدريس. بقي بن مخلد رجل من الأندلس جاء إلى بغداد لملاقاة أحمد بن حنبل ، فوجده مضروباً عليه الإقامة الجبرية والمنع من التدريس، ولا أحد يستطيع أن يقترب من بيت الإمام أحمد ، فماذا فعل؟ قال: فاغتممت لذلك غماً شديداً، فلم أعرج على شيء بعد إنزالي متاعي في بيت اشتريته في بعض الفنادق أن أتيت المسجد الجامع الكبير -أنزل العفش في الفندق وجاء إلى الجامع الكبير- قال: وأنا أريد أن أجلس إلى الحلق وأسمع ما يتذاكرون، فدفعت إلى حلقة نبيلة، فإذا برجل يكشف عن الرجل فيضعف ويقوي.. فلان ثقة فلان ضعيف، وهكذا.. فقلت لمن كان بقربي: من هذا؟ قالوا: هذا العالم يحيى بن معين ، فرأيت فرجة قد انفرجت قربه -قرب الشيخ- فقمت إليه فقلت له: يا أبا زكريا رحمك الله! رجل غريب نائي الدار، أردت السؤال فلا تستخفني، فقال لي: قل، فسألت عن بعض من لقيته من أهل الحديث، فبعضاً زكى وبعضاً جرح، فسألته في آخر السؤال عن هشام بن عمار فقال: صاحب صلاة، دمشقي ثقة وفوق الثقة... إلخ.



ابتعاده عن الأمراء والسلاطين ونصحه لهم:

ولما استخلف المهدي بعث إلى سفيان فلما دخل عليه خلع خاتمه -الخليفة يخلع خاتمه لـسفيان - فرمى به إلى سفيان وقال: يا أبا عبد الله ! هذا خاتمي فاعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة. فأخذ الخاتم بيده وقال: تأذن بالكلام يا أمير المؤمنين! قال السامع للراوي: قال له: يا أمير المؤمنين! قال: نعم. فقال الخليفة: نعم. يأذن له بالكلام. قال: أتكلم على أني آمن؟ قال: نعم. قال سفيان : لا تبعث إليَّ حتى آتيك، ولا تعطني حتى أسألك. قال: فغضب الخليفة وهمَّ به، فقال له كاتبه: أليس قد آمنته؟ قال: بلى. فلما خرج سفيان حس به أصحابه، فقالوا: ما منعك وقد أمرك أن تعمل في الأمة بالكتاب والسنة؟! فاستصغر عقولهم وخرج هارباً إلى البصرة ، وكان يقول: ليس أخاف إهانتهم، إنما أخاف كرامتهم فلا أرى سيئتهم سيئة. أي: إذا أكرموني تغاضيت عن الحق ولا أرى سيئتهم سيئة. وكان ينكر عليهم الإسراف في الولائم في مواسم الحج، فعن محمد بن يوسف الفريابي : سمعت سفيان يقول: أُدخلت على أبي جعفر بـمنى فقلت له: اتق الله، فإنما أنزلت في هذه المنزلة وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار وأبنائهم وهم يموتون جوعاً، حج عمر فما أنفق إلا خمسة عشر ديناراً وكان ينزل تحت الشجر. فقال الخليفة لـسفيان : أتريد أن أكون مثلك؟ قلت: لا. ولكن دون ما أنت فيه وفوق ما أنا فيه. فقال: اخرج. ولما أُدخل على المهدي بـمنى وسلم عليه بالإمرة، فقال الخليفة: أيها الرجل! طلبناك فأعجزتنا، فالحمد لله الذي جاء بك، فارفع إلينا حاجتك. قال: وما أرفع؟ حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال: حج عمر فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهماً، قال عمر: أسرفنا! وإني أرى هنا أموراً لا تطيقها الجبال.



تنقله في البلاد هارباً ودفنه لكتبه:

أما هرب سفيان وتنقله في البلاد هارباً فترة من عمره ودفنه لكتبه، فكان بسبب أن الخليفة أبا جعفر أراده على القضاء، فأبى أن يتولاه، فأراد أن يلزمه به، وكان يسجن ويضرب حتى يرضخ القاضي للقضاء، فهرب سفيان ، ولا زال هارباً متخفياً، وهو مع هربه يطلب الحديث ويطلب العلم ويعبد الله.. قال أبو أحمد الزبيري : كنت في مسجد الخيف مع سفيان والمنادي ينادي: من جاء بـسفيان فله عشرة آلاف. وقيل: إنه من أجل الطلب والملاحقة هرب إلى اليمن، فاتهموه -وهم لا يعرفونه في اليمن - بأنه سرق شيئاً؛ فأتوا به والي اليمن معن بن زائدة ، وكان عنده خبر من الخليفة بشأن طلب سفيان، فقيل للأمير: هذا قد سرق منا، فقال: لم سرقت متاعهم؟ قال سفيان : ما سرقت شيئاً. فقال لهم الأمير: تنحوا حتى نسائله -حتى أحقق معه- ثم أقبل على سفيان فقال: ما اسمك؟ فقال: عبد الله بن عبد الرحمن، وأراد ألا يكذب ولا يذكر اسمه لأنه مطلوب عند الخليفة، فقال الأمير: نشدتك بالله لما انتسبت سأله بالله، فكان لا بد أن يجيب، قال: فقلت: أنا سفيان بن سعيد بن مسروق ، قال: الثوري ؟ فقلت: الثوري ، قال: أنت بغية أمير المؤمنين؟ قلت: أجل! فأطرق ساعة يفكر ثم قال: ما شئت أقم ومتى شئت فارحل، فوالله لو كنت تحت قدمي ما رفعتها. أي: أحميك وأدافع عنك، وكان معن بن زائدة فيه خير كثير. وهرب إلى البصرة أيضاً، قال ابن مهدي : قدم سفيان البصرة والسلطان يطلبه، فصار إلى بستان، فأجر نفسه لحفظ الثمار، صار ناقوراً حارساً يحفظ الثمار، فمر به بعض العشارين الذين يأخذون أجزاء الثمار للوالي، فقال: من أنت يا شيخ؟ قال: من أهل الكوفة . فقال: أرطب البصرة أحلى من رطب الكوفة؟ قال: لم أذق رطب البصرة . قال: ما أكذبك! البر والفاجر والكلاب يأكلون الرطب الساعة. فرجع العامل إلى الوالي فأخبره ليعجبه بهذا الخبر العجيب، فقال الوالي: ثكلتك أمك! أدركه فإن كنت صادقاً فإنه سفيان الثوري ، فخذه لنتقرب به إلى أمير المؤمنين. فرجع في طلبه فما قدر عليه. ولاحقه أبو جعفر ملاحقة شديدة وجدَّ في طلبه، فاختفى الثوري بـمكة عند بعض المحدثين.. قال عبد الرزاق : بعث أبو جعفر الخشابين حين خرج إلى مكة وقال: إن رأيتم الثوري فاصلبوه. فجاء النجارون ونصبوا الخشب ونودي عليه ورأسه في حجر الفضيل مختفٍ بالبيت، ورجلاه في حجر ابن عيينة ، فقيل له: يا أبا عبد الله ! اتق الله لا تشمت بنا الأعداء.. كان مختفياً في الحرم ورأسه في حجر الفضيل ورجلاه في حجر ابن عيينة ، فتقدم إلى الأستار ثم أخذه وقال: برئت منه إن دخلها أبو جعفر، قال: فمات أبو جعفر قبل أن يدخل مكة، فأخبر سفيان فما قال شيئاً، قال الذهبي رحمه الله: هذه كرامة ثابتة.



وفاته رحمه الله وثناء العلماء عليه:

واستمر هذا الرجل على العطاء، وكان قد دفن كتبه فلما أمن استخرجها مع صاحب له، فقال صاحبه: في الركاز الخمس يا أبا عبد الله ! فقال: انتق منها ما شئت، فانتقيت منها أجزاء فحدثني بها. استمر -رحمه الله- عابداً لربه مستمراً على العهد الذي بينه وبين الله علماً وتعليماً وعبادة حتى جاءه الأجل ووافاه قدر الله سبحانه وتعالى بالموت في البصرة ، في شعبان سنة إحدى وستين ومائة للهجرة، وقد غسله عبد الله بن إسحاق الكناني . قال يزيد بن إبراهيم: رأيت ليلة مات سفيان قيل لي في المنام: مات أمير المؤمنين -أي: في الحديث. ولم يتمكن إخوانه وأصحابه من الاجتماع للصلاة عليه، فجعلوا يفدون إلى قبره يوم وفاته، ودفن وقت العشاء، وعن بعض أصحاب سفيان قال: مات سفيان بـالبصرة ودفن ليلاً ولم نشهد الصلاة عليه، وغدونا على قبره ومعنا جرير بن حازم و سلام بن مسكين من أئمة العلم، فتقدم جرير وصلى على قبره ثم بكى وقال:

إذا بكيت على ميت لمكرمة فابك غداة على الثوري سفيان

وسكت، فقال عبد الله بن الصرباح :

أبكي عليه وقد ولى وسؤدده وفضله ناظـر كالغسـل ريان

وقال سعيد : رأيت سفيان في المنام يطير من نخلة إلى نخلة وهو يقول: الحمد لله الذي صدقنا وعده. وهذا مما روي له من المنامات الصالحة بعد وفاته. وقال إبراهيم بن أعين : رأيت سفيان بن سعيد بعد موته في المنام، فقلت: ما صنعت؟ فقال: أنا مع السفرة الكرام البررة. قال أحمد بن حنبل رحمه الله: قال لي ابن عيينة : لن ترى بعينك مثل سفيان الثوري حتى تموت. وقال الأوزاعي : لو قيل لي اختر لهذه الأمة رجلاً يقوم فيها بكتاب الله وسنة نبيه لاخترت لهم سفيان الثوري . وقال ابن المبارك : كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان . وقال ابن أبي ذئب : ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان الثوري . وقال ابن المبارك : ما نُعت إلي أحد فرأيته إلا كان دون نعته -دون الوصف- إلا سفيان الثوري ، رحمه الله رحمة واسعة.[/



[نماذج من مواعظه - رحمه الله-]

( الدنيا والآخرة)

قال سفيان: اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها ، وللآخرةبقدر بقائك فيها

( احذر سخط الله)

احذر سخط الله في ثلاث

احذر أن تقصر فيما أمرك

واحذر أن يراك وأنت لا ترضى بما قسم لك

وأن تطلب شيئاً من الدنيا فلا تجده، أن تسخط على ربك

( زينة العلم)

قال سفيان: زينوا العلم بأنفسكم، ولا تزينوا بالعلم

( ثلاثة من الصب)

قال سفيان: ثلاثة من الصبر: لا تحدث بمصيبتك، ولا بوجعك، ولا تزكِ نفسك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
saoudi
المدير العام
المدير العام
saoudi


عدد الرسائل : 6048
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

شخصيات إسلامية متجدد Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات إسلامية متجدد   شخصيات إسلامية متجدد I_icon_minitimeالإثنين 14 سبتمبر 2009, 09:45

بسم الله الرحمن الرحيم

الشخصية الإسلامية
الخامسة

الإمام مالك رحمه الله إمام دار الهجرة



اسمه ونسبه
:

مالك بن أنس بن مالك بن عامر بن عمرو بن الحارث إمام دار الهجرة وأحد
الأئمة الأربعة .

ينتهي نسبه إلى قبيلة يمنية وهي ذو أصبح
.



مولده ونشأته وصفاته :

ولد سنة ثلاث وتسعين للهجرة ـ على
الصحيح ـ في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فرأى آثار الصحابة وتتلمذ على يد
تلاميذ الصحابة .

كانت أسرته أسرة علم ، فطلب العلم صغيرا
.



طلبه للعلم :

ـ قال لأمه أنه يريد أن يذهب ليطلب العلم
فألبسته أحسن الثياب وعممته ثم قالت اذهب فاكتب الآن .

ـ جلس إلى ابن هرمز
نحو من سبع أو ثمان سنين .

ـ قال مالك سمعت ابن هرمز يقول : ينبغي للعالم أن
يورث جلساؤه قول لا أدري .

ـ درس على يد ابن شهاب الزهري عالم الحديث
والتابعي الجليل .

ـ سئل مالك هل سمعت عن مالك بن دينار : قال رأيته يحدث
والناس قيام يكتبون فكرهت أن أكتب حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا قائم
.

ـ قال الإمام مالك كما في طبقات المالكية : حج أيوب السختياني حجتين فلم
أكتب عنه الحديث ، فلم حج حجته الأخيرة جلس في فناء زمزم فكان إذا ذكر النبي صلى
الله عليه وسلم يبكي فكتبت عنه .

ـ درس الإمام مالك على يد ربيعة الرأي من
فقهاء المدينة السبعة .



تدريسه ونشره للعلم :

ـ لم يجلس
للتعليم إلا بعد أن شهد له سبعون من أهل العلم أنه أهل للفتوى .

ـ علم العلم
في المسجد فلم يرى عليه غير ضحكة أو اثنتين في خمسين سنة ثم في آخر حياته درس في
بيته لمرضه .

ـ ولك أن ترى درس للإمام مالك لتراه : أبيض الثياب يغتسل
ويتطيب ويجلس في مجلس عليه الوقار .

ـ وقد سئل عن مسألة افتراضيه فلم يجب
قال السائل : لم تجب قال الإمام مالك : لو سألت عما ينفعك أجبتك .

ـ جاءه
رجل من المغرب في مسألة فقال قل للذي أرسلك لا أعلم قال من يعلم قال الذي علمه الله
.

ـ ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة سنة 99 ـ 101 فأعجب به مالك ، ثم كان من
بعده ولاة غيروا وبدلوا.

ـ سنة 130 هـ دخل أبو حمزة المدينة واستباحها فأثر
هذا على الإمام مالك لكنه لم يخرج على ولاة الأمر ولم يقف في صف الناس الذين كان
يعتقد الإمام أنه يصدق فيهم قوله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم " . فلم يسع في فتنة ولم يداهن ولاة الأمر بل وعظه ونصحه للولاة محفوظ
.





ابتلاؤه في ذات الله :

سنة 146 هـ في عهد أبي جعفر
المنصور ابتلي وضرب فثبت .



ورعه وزهده وعبادته :

كان الإمام
مالك يقول : لا خير فيمن يرى نفسه في حال لا يراه الناس أهلا لها .

وكان إذا
سئل كثيرا ما يقول لا أدري .



تعظيمه للسنة :

كان كغيره من
الأئمة يعظم السنة ويقول إن صح الحديث فهو مذهبي .

وكان يقول قل ليلة إلا
وأنا أرى فيها النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا ، فمن يرى النبي صلى الله عليه
وسلم في الرؤيا كيف يكون مع سنته صلى الله عليه وسلم في اليقظة
.



ثناء العلماء عليه :

ـ قال عن نفسه : ما أفتيت حتى شهد لي
سبعون أني أهل لذلك .

ـ قال الشافعي : إذا جاء الحديث فمالك النجم
.

ـ قال البخاري : أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر
.



وفاته :

توفي سنة تسع وسبعين ومائة للهجرة ودفن بالبقيع
وهو ابن خمس وثمانين سنة .



أصول مذهبه :

الكتاب ـ السنة ـ
الإجماع ـ القياس ـ الاستحسان ـ الاستصحاب ـ المصالح المرسلة ـ الذرائع ـ العادات
والعرف .



انتشار مذهبه :

مصر والسودان وبلاد المغرب والأندلس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
saoudi
المدير العام
المدير العام
saoudi


عدد الرسائل : 6048
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

شخصيات إسلامية متجدد Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات إسلامية متجدد   شخصيات إسلامية متجدد I_icon_minitimeالإثنين 14 سبتمبر 2009, 09:46

الشخصية
الإسلامية السادسة

إمام أهل الرأي الإمام الأعظم
أبوحنيفة
النعمان

أترككم مع نفحات من
سيرته

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ

مولده ونشأته:
ولد أبو حنيفة النعمان
بالكوفة سنة 80 هـ من أسرة فارسية، وسمي النعمان تيمنًا بأحد ملوك الفرس؛ من أجل
ذلك كبر على المتعصبين العرب أن يبرز فيهم فقيه غير عربي الأصل، وحاول بعض محبيه أن
يفتعل له نسبًا عربيًّا، ولكنه كان لا يحفل بهذا كله؛ فقد كان يعرف أن الإسلام قد
سوى بين الجميع، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - احتضن سلمان الفارسي وبلالاً
الحبشي، وكانا من خيرة الصحابة، حتى لقد كان الرسول يقول: سلمان منا أهل البيت.
وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول عن بلال: سيدنا بلال.

ولقد شهد
أبو حنيفة في طفولته فظائع الحجاج والي العراق وبطشه بكل مَن يعارض الأمويين حتى
الفقهاء الأجلاء، فدخل في نفسه منذ صباه عزوف عن الأمويين واستنكار لاستبدادهم،
ورفض للطغيان.. ثم إنه ورث عن أبيه وأمه حبًّا لآل البيت، فما كان في ذلك العصر
رجال ينبذون التفرقة بين المسلمين العرب وغير العرب إلا آل البيت، وقد تمكن حب آل
البيت من قلبه عندما تعرف على أئمتهم وتلقى عنهم، وعندما عاين أشكال الاضطهاد التي
يكابدونها كل نهار وليل!! حتى لقد شاهد الإمام الصادق واقفًا يستمع إليه وهو يفتي
في المدينة، فوقف قائلاً: يا ابن رسول الله، لا يراني الله جالسًا وأنت
واقف.

وكان أبوه تاجرًا كبيرًا فعمل معه وهو صبي، وأخذ يختلف إلى السوق
ويحاور التجار الكبار ليتعلم أصول التجارة وأسرارها، حتى لفت نظر أحد الفقهاء فنصحه
أن يختلف إلى العلماء، فقال أبو حنيفة: إني قليل الاختلاف إليهم. فقال له الفقيه
الكبير: عليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء؛ فإني أرى فيك يقظة وفطنة، ومنذ ذلك
اليوم وهب الفتى نفسه للعلم واتصل بالعلماء، ولم تنقطع تلك الصلة حتى آخر يوم في
حياته.. ولَكَم عانى وعانى منه الآخرون في هذا الميدان الجديد الذي استنفر كل
مواهبه وذكائه وبراعته!!

***

وانطلق الفتى الأسمر الطويل النحيل
بحلة فاخرة، يسبقه عطره، ويدفعه الظمأ إلى المعرفة، يرتاد حلقات العلماء في مسجد
الكوفة.. وكان بعضها يتدارس أصول العقائد (علم الكلام)، وبعضها للأحاديث النبوية،
وبعضها للفقه وأكثرها للقرآن الكريم، ثم مضى ينشد العلم في حلقات البصرة، وبهرته
حلقة علماء الكلام، لما كان يثور فيها من جدل مستعر يرضي فتونه.

ولزم أهل
الكلام زمنًا، ثم عدل عنهم إلى الحلقات الأخرى.. فقد اكتشف عندما نضج أن السلف
كانوا أعلم بأصول العقائد ولم يجادلوا فيها، فلا خير في هذا الجدل، ومن الخير أن
يهتم بالتفقه في القرآن الكريم والحديث.

وانتهت به رحلاته بين البصرة
والكوفة إلى العودة إلى موطنه بالكوفة، وإلى الاستقرار في حلقات الفقه، لمواجهة
الأقضية الحديثة التي استُحدثت في عصره، ولدراسة طرائق استنباط
الأحكام.

وكان أبوه قد مات، وترك له بالكوفة متجرًا كبيرًا للحرير يدر عليه
ربحًا ضخمًا، فرأى أبو حنيفة أن يشرك معه تاجرًا آخر؛ ليكون لديه من الوقت ما يكفي
لطلب العلم وللتفقه في الدين ولإعمال الفكر في استنباط الأحكام..

ودرس على
عدة شيوخ في مسجد الكوفة، ثم استقر عند شيخ واحد فلزمه.. حتى إذا ما ألمَّ بالشيخ
ما جعله يغيب عن الكوفة، نصب أبا حنيفة شيخًا على الحلقة حتى يعود.. وكانت نفس أبي
حنيفة تنازعه أن يستقل هو بحلقة، ولكنه عندما جلس مكان أستاذه سُئل في مسائل لم
تعرض له من قبل فأجاب عليها، وكانت ستين مسألة، وعندما عاد شيخه عرض عليه الإجابات،
فوافقه على أربعين، وخالفه في عشرين، فأقسم أبو حنيفة ألا يفارق شيخه حتى
يموت.

ومات الشيخ وأبو حنيفة في الأربعين، فأصبح أبو حنيفة شيخًَا للحلقة،
وكان دارس علماء آخرين في رحلات إلى البصرة وإلى مكة والمدينة خلال الحج والزيارة
وأفاد من علمهم، وبادلهم الرأي، ونشأت بينه وبين بعضهم مودَّات، كما انفجرت
خصومات.

ووزَّع وقته بين التجارة والعلم، وأفادته التجارة في الفقه، ووضع
أصول التعامل التجاري على أساس وطيد من الدين، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه
- مثله الأعلى في التجارة: حسن التعامل، والتقوى، والربح المعقول الذي يدفع شبهة
الربا، وجاءته امرأة تبيع له ثوبًا من الحرير وطلبت مائة ثمنًا له، وعندما فحص
الثوب قال لها: هو خير من ذلك. فزادت مائة.. ثم زادت حتى طلبت أربعمائة، فقال لها:
هو خير من ذلك. فقالت: أتهزأ بي؟ فقال لها: هاتِ رجلاً يقومه. فجاءت برجل فقومه
بخمسمائة!!

وأرادت امرأة أخرى أن تشتري منه ثوبًا فقال: خذيه بأربعة دراهم.
فقالت له: لا تسخر مني وأنا عجوز. فقال لها: إني اشتريت ثوبين فبعته أحدهما برأس
المال إلا أربعة دراهم، فبقي هذا الثوب على أربعة دراهم!!

وذهب إلى حلقة
العلم يومًا، وترك شريكه في المتجر، وأعلمه أن ثوبًا معينًا من الحرير به عيب خفي،
وأن عليه أن يوضح العيب لمن يشتريه، أما الشريك فباع الثوب دون أن يوضح العيب! وظل
أبو حنيفة يبحث عن المشتري؛ ليدله على العيب ويرد إليه بعض الثمن، ولكنه لم يجده،
فتصدق بثمن الثوب كله، وانفصل عن شريكه! بهذا الحرج كان يتعامل في تجارته مع الناس،
وفي فهمه للنصوص، وفي استنباطه للقواعد والأحكام..

وعلى الرغم من أنه كان
يكسب أرباحًا طائلة، فقد كان لا يكنز المال، فهو ينفق أمواله على الفقراء من
أصدقائه وتلاميذه، يحتفظ بما يكفيه لنفقة عام ويوزع الباقي على الفقراء والمعسرين،
فإذا عرف أن أحدًا في ضيق، أسرع إليه وألقى إليه بصرة على بابه، ونبهه إلى أنه وضع
على بابه شيئًا، ويسرع قبل أن يفتح صاحب الحاجة الصرة.

وكان على ورعه وتقواه
واسع الأفق مع المخطئين، كان له جار يسكر في الليل ويرفع عقيرته بالغناء:


أضاعوني وأي فتي أضاعوا *** ليوم كريهة وسداد ثغر

وكان صوت الجار
يفسد الليل على أبي حنيفة، حتى إذا كانت ليلة سكت فيها صوت الجار السكير، فلما أصبح
الصباح سأل عنه فعلم أنه في السجن متَّهمًا بالسكر، فركب أبو حنيفة إلى الوالي
فأطلق سراح السكير، وعندما عادا معًا سأله أبو حنيفة: يا فتى هل أضعناك؟ فقال له:
بل حفظتني رعاك الله. وما زال به أبو حنيفة حتى أقلع عن الخمر وأصبح من رواد حلقات
العلم، ثم تفقه وصار من فقهاء الكوفة.

***

وكان أبو حنيفة يدعو
أصحابه إلى الاهتمام بمظهرهم.. وكان إذا أقام للصلاة لبس أفخر ثيابه وتعطر؛ لأنه
سيقف بين يدي الله، ورأى مرة أحد جلسائه في ثياب رثة، فدس في يده ألف درهم وهمس:
أصلح بها حالك. فقال الرجل: لست أحتاج إليها وأنا موسر وإنما هو الزهد في الدنيا.
فقال أبو حنيفة: أما بلغك الحديث: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.


وكان شديد التواضع، كثير الصمت، يقتصد في الكلام، ولا يقول إلا إذا سُئل،
وإذا أغلظ إليه أحد أثناء الجدال صبر عليه، وإذا دخلت إليه امرأة تستفتيه قام من
الحلقة وأسدل دونها سترًا؛ ليحفظها من عيون الرجال، وأجابها عما تسأل، نبع هذا
التقدير الكبير للمرأة من حبه العميق لأمه، وحرصه الدائب على أن يرضيها، ثم مِن
فهمه الواعي للإسلام، واتباعه اليقظ للسنة، واجتهاداته الذكية، وقد قاده اجتهاده
إلى الإفتاء بأن الإسلام يبيح للمرأة حق تولي كل الوظائف العامة بلا استثناء.. حتى
القضاء!

ولقد كان في حرصه على إرضاء أمه يحملها على دابة، ويسير بها
الأميال، لتصلي خلف أحد الفقهاء يرى هو نفسه أن أبا حنيفة أفضل منه؛ لأن الأم كانت
تعتقد بفضل ذلك الفقيه! وكانت الأم لا ترضى بفتوى ابنها أحيانًا، فتأمره أن يحملها
إلى أحد الوعاظ، فيقودها إليه عن طيب خاطر.. ولقد قال لها الواعظ يومًا: كيف أفتيك
ومعك فقيه الكوفة؟ ومع ذلك فقد ظل أبو حنيفة حريصًا على إرضائها، لا يرد لها طلبًا،
حتى إذا عذب في سبيل رأيه، طلبت منه أمه أن يتفرغ للتجارة وينصرف عن الفقه، وقالت
له: ما خير علم يصيبك بهذا الضياع؟ فقال لها: إنهم يريدونني على الدنيا وأنا أريد
الآخرة، وإنني أختار عذابهم على عذاب الله، ولكم تحمل أبو حنيفة من عذاب!!


كان مخالفوه في الرأي يغرون به السفهاء والمتعصبين والمتهوسين، ويدفعونهم
إلى اتهامه بالكفر والتهجم عليه، فيقابلهم بالابتسام، ولقد ظل أحد هؤلاء السفهاء
يشتمه، فلم يتوقف الإمام ليرد عليه، وعندما فرغ من درسه وقام، ظل السفيه يطارده
بالسباب، والإمام لا يلتفت إليه، حتى إذا بلغ داره توقف عند باب الدار قائلاً
للسفيه: هذه داري، فأتم كلامك حتى لا يبقى عندك شيء أو يفوتك سباب، فأنا أريد أن
أدخل داري!!

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
saoudi
المدير العام
المدير العام
saoudi


عدد الرسائل : 6048
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

شخصيات إسلامية متجدد Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات إسلامية متجدد   شخصيات إسلامية متجدد I_icon_minitimeالإثنين 14 سبتمبر 2009, 09:47

كان خصوم أبي حنيفة صنفين: بعض الفقهاء ممن وجدوا انصراف الناس عن حلقاتهم إلى
حلقة أبي حنيفة وحكام ذلك الزمان، أما أعداء أبي حنيفة من الفقهاء فقد كان على
رأسهم ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة، كان أعداؤه فقهاء للدولة في العصر الأموي، حتى
إذا جاء العصر العباسي تحوَّلوا إلى الحكام الجدد، واحتالوا عليهم بالنفاق حتى
أصبحوا هم أهل الشورى، يزينون للحكام الجدد كل ما زينوه للحكام السابقين من طغيان
عدوان وبغي واستغلال وبطش بالمعارضين، واصطنعوا من الآراء الفقهية، وقبلوا من
الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة ما يسند الطبقة الحاكمة والمستغلين، وما يصرف الناس
عنهم عن أمور الدنيا وعن سياسة حياتهم، لينقطع الناس إلى التقشف، ويتركوا مستغليهم
يستبدون ويعمهون!

وكان أبو حنيفة يحتفظ باستقلاله أمام الحكام فيحترمه
الحكام، وهو يلبس أغلى الفراء في الشتاء، ويتحلى طوال العام بثياب فاخرة ويتعطر،
ويتنعم بالطيبات من الرزق، وبزينة الحياة التي أحلها الله لعباده..

وكان
يقاوم كما قاوم أستاذه وصديقه الإمام جعفر الصادق من قبل بدعة تزيين التقشف
والانصراف عن هموم الحياة، وترك الأمر كله لطبقة بعينها تملك وتستغل وتحكم
وتستبد!

على أن ميل أبي حنيفة إلى الأئمة من آل البيت أوغر عليه صدور
الأمويين والعباسيين على السواء؛ ففي العصر الأموي قالوا: أن تكون كافرًا أو مشركًا
خير من أن تكون علويًّا.. وفي العصر العباسي توالت المحن على العلويين، وأبو حنيفة
يفتي بأن العلويين أصحاب حق.. على أنه مال إلى العباسيين أول الأمر، وتوسم فيهم
الخير، ولكنه إذ وجد الفقهاء الذين نافقوا الأمويين وزينوا لهم العدوان، هم الذين
يشيرون على الخلفاء العباسيين، أصابته خيبة الأمل فيهم.. ثم إن العباسيين بطشوا
بأبناء عمومتهم العلويين، فساء رأي أبي حنيفة في العباسيين.

وأبو حنيفة -
على الرغم من سماحته - لا يسكت عن خطأ الفقهاء من الذين جعلوا كلَّ همهم نفاق
الحكام وإرضاءهم، كان بعضهم يفتي في المسجد إلى جوار حلقة أبي حنيفة، فإذا أخطأ
انبرى له أبو حنيفة يكشف ذلك الخطأ، ويعلن الصواب على الناس.

وكان ينتقد
أخطاء ابن أبي ليلى نقدًا أوغر عليه صدر الرجل، حتى نقد حكمًا فاحش الخطأ فانفجر
غضب ابن أبي ليلى، وذلك أن امرأة مجنونة قالت لرجل: يا ابن الزانيين. فأقام عليها
ابن أبي ليلى الحد في المسجد، وجلدها قائمة، وأقام عليها حدين: حدًّا لقذف الأب
وحدًّا لقذف الأم! وبلغ ذلك أبا حنيفة فقال: أخطأ ابن أبي ليلى في عدة مواضع: أقام
الحد في المسجد ولا تقام الحدود في المساجد، وضربها قائمة والنساء يضربن قعودًا،
ولضرب لأبيه حدًّا ولأمه حدًّا ولو أن رجلاً قذف جامعة ما كان عليه غير واحد، فلا
يجمع بين حدين، والمجنونة ليس عليها حد، وحد لأبويه وهما غائبان ولم يحضرا فيدعيا.
فذهب ابن أبي ليلى إلى الخليفة يشكو أبا حنيفة، واتهمه بأنه لا يفتأ يهينه، ويظهره
للناس بمظهر الجاهل، وفي ذلك إهانة للخليفة نفسه؛ لأن ابن أبي ليلى إنما ينوب عن
الخليفة في القضاء ويحكم بين الناس!! وأصدر الخليفة أمرًا بمنع أبي حنيفة من
التعليق على أحكام القضاة، وبمنعه من الفتوى، حتى إذا احتاج الخليفة إلى رأي في أمر
معقد لا يطمئن فيه إلى فتاوى الفقهاء من متملقيه، أرسل يستفتي أبا حنيفة، فامتنع عن
الفتوى إلا أن يأذن الخليفة له في أن يفتي للناس جميعًا، فأذن له، فعاد يفتي، وعاد
ينتقد الأحكام!!

وأراد الخليفة المنصور أن يكتب عقدًا محكمًا فلم يسعفه
الفقهاء الذين يصانعونه، فلجأ إلى أبي حنيفة، فأملى العقد من فوره فأزرى الفقهاء من
بطانة الخليفة بما صنعه حسدًا من عند أنفسهم، لكن الخليفة زجرهم، وصرح بأن أبا
حنيفة هو أفقه الجميع، وإن كان ليكره مواقفه وآراءه.

وعندما وقع خلاف بين
الخليفة المنصور وزوجته؛ لأنه أراد أن يتزوج عليها، أراد أن يحتكما إلى فقيه، فرفضت
الزوجة الاحتكام إلى قاضي القضاة ابن أبي ليلى أو إلى تابعه شبرمة أو إلى أحد
الفقهاء من بطانة المنصور، وطلبت أبا حنيفة! وعندما حضر أبو حنيفة أبدى الخليفة
رأيه أن من حقه الزواج؛ لأن الله أحل للمسلم الزواج بأربع، والتمتع بمن يشاء من
الإماء مما ملكت يمينه،

فرد أبو حنيفة: إنما أحل الله هذا لأهل العدل، فمن
لم يعدل فواحدة، قال الله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، فينبغي أن نتأدب
بأدب الله ونتعظ بمواعظه، وضاق الخليفة بفتواه، ولكنه أخذ بها.

وخرج أبو
حنيفة إلى داره، فأرسلت له زوجة الخليفة خادمًا ومعه مال كثير وأحمال من الثياب
الفاخرة النادرة، وجارية حسناء، وحمار مصري فارهٌ هدايا لأبي حنيفة، فقال أبو حنيفة
للخادم: اقرئها سلامي، وقل لها: إني ناضلت عن ديني وقمت بذلك المقام لوجه الله، لم
أرد بذلك تقربًا إلى أحد ولا التمست به دنيا. ورد الجارية الحسناء والثياب والمال
والحمار المصري جميعًا.

كان أبو حنيفة لا يقف عند النصوص، وإنما يبحث في
دلالاتها، ويحاول أن يواجه بالأحكام ما يقع من أحداث، وما يتوقع حدوثه من الأقضية
والحالات، الواقع والمتوقع هما ما كان يعني باستنباط الأحكام لمواجهتهما إن لم يجد
نصًّا في الكتاب أو السنة أو الإجماع، وكان يناظر الفقهاء ببديهة حاضرة، يقلِّب
الرأي على وجوهه، ويفترض، ويستقرئ ويستنبط، ويحسن الخلوص إلى الغاية والخلاص من
المأزق، ويلزم المناظر الحجة، وهو مع ذلك يقول: ربما كان ما قلته خطأ كله، لا
الصواب كله!

ولقد اقتحم عليه الحلقة في يوم عدد من الخوارج على رأسهم قائدهم
وفقيههم، وكان الخوارج يقتلون مخالفيهم، وكانوا يقتلون مَن أقر عليّ بن أبي طالب
على التحكيم، وخيَّره شيخ الخوارج بين التوبة أو القتل، فسأله أبو حنيفة أن يناظره،
فرضي، فقال له: فإن اختلفنا؟ قال الخارجي: نحكم بيننا رجلاً.. فضحك أبو حنيفة
قائلاً: أنت بهذا تجيز التحكيم! فانصرف عنه الخوارج وتركوه سالمًا.


***

وكم من مرة خرج من المأزق بسرعة بديهته وسعة حيلته وقوة حجته!
ولكنه لم يستطع أن يفلت من مصائد أعدائه من المرتزقة في بلاط الأمراء، وكانت صلابته
واحترام الحكام له وإيثارهم إياه على الفقهاء المرتزقة من بطانتهم تثير هؤلاء
الفقهاء وتحرك حسدهم، فأوغروا صدور الحكام حتى أوقعوا به، وحاولوا أن يقتنصوه
بفضائله.

إنه لشجاع في الحق.. وإذن فلينصبوا له شركًا من جسارته وتقواه!
وكانت مواقفه في تأييد آل البيت لتؤجج غضب الحكام عليه، ثم كانت آراؤه تزيد سخطهم
عليه اشتعالاً: فقد نادى بالرأي إن لم يكن هناك نص في الكتاب أو السنة، واتجه
استنباط الأحكام إلى إلحاق الأمور غير المنصوص على أحكامها بما نص على حكمه في حدود
ما يحقق مصلحة الأمة ويتسق مع عرف البلد عاداته، إن لم تخالف هذه العادات والأعراف
روح الشريعة أو نصوصها.

أما عن مواقفه في تأييد آل البيت فقد أعلن أن
العلويين أولى بالحكم من العباسيين، وجاهر بالانحياز إلى العلويين، ولم يكتم هذا
الميل قط، وظل يذيعه بلا تهيب! على أن الموقف ليس جديدًا عليه، فقد أيد ثورة الإمام
زيد بن علي زين العابدين بن الحسين أيام الحكم الأموي، وسمى خروج زيد جهادًا في
سبيل الله، وشبهه بيوم بدر، وحاول أن يخرج مع الإمام زيد، ولكن كانت لديه ودائع
للناس أراد أن يسلمها لابن أبي ليلى فرفض، ولم يجد أبو حنيفة إلا ماله يجاهد به؛
فأرسل إلى الإمام زيد مالاً كثيرًا يمير به جيشه ويقويه.

وحين ولي
العباسيون أيدهم أول الأمر ولكنهم بطشوا بمعارضيهم، وصادروا حرية الرأي، ونكلوا
بالعلويين، ونكلوا عن العدل الذي بايعهم عليه، فأعلن عدم رضاه عنهم في حلقات
الدروس..

وكان المنصور قد جمع رؤوس العلويين وسجنهم، وصادر أموالهم
وأراضيهم، وثار العلويون بقيادة محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم بن عبد الله، فبعث
المنصور جيشًا ضخمًا ليحصد العلويين، وأعلن أبو حنيفة تأييده للثورة، وبكى مصائر
العلويين بعد أن نجح المنصور في إخماد الثورة والقضاء على قائديها، وفتك بأهل
المدينة المنورة الذين أيدوا الثورة، وكان عبد الله بن الحسين شيخ أبي حنيفة والد
محمد النفس الزكية وإبراهيم في سجن المنصور يعذب حتى الموت،

وحين مات أعلن
أبو حنيفة في حلقته أن واحدًا من أفضل أهل الزمان قد استشهد في سجنه، وبكاه وأبكى
عليه.

وأما آراؤه التي أشعلت سخط الحاكم وحاشيته عليه فهي تلك التي استنبطها
بالقياس حتى لقد اتهمه بعض الفقهاء من خصومه بأنه يفضل القياس على الحديث! وما كان
هذا صحيحًا، فقد رأى أبو حنيفة ظاهرة خطيرة، فأراد أن ينجو بدينه منها، وينجي معه
الناس؛ ذلك أنه خلال الصراعين السياسي والاجتماعي، انتشر وضع الحديث خدمة لهذا
الجانب أو ذاك، وتأييدًا لهذه المصلحة أو تلك، فوقف أبو حنيفة من الحديث موقف
أستاذه وصديقه الإمام جعفر الصادق، وتحرَّى الرواة وصدقهم، وتحرى معاني الأحاديث،
ورفض منها ما يشك في صدق رواتها وتقواهم، أو ما يخالف نصًّا قرآنيًّا أو سنة مشهورة
أو مقصدًا واضحًا من مقاصد الشريعة، وقد فحص الأحاديث الموجودة في عصره - وكانت
عشرات الآلاف - فلم يصح في نظره منها إلا نحو سبعة عشر!

وذهب إلى أن القياس
الصحيح يحقق مقاصد الشارع، ويجعل الأحكام أصوب وهو خير من الاعتماد على أحاديث غير
صحيحة.. وللقياس ضوابط منها تحقيق المصلحة وهذا هو هدف الشريعة.

لقد كان
تحرج أبي حنيفة وذمته وتقواه هي العوامل التي دفعته إلى الحذر في قبول الأحاديث إذا
شك في صحتها على أي نحو، وكان عليه إذن أن يجد طريقًا آخر لاستنباط الأحكام الجديدة
قياسًا على أحكام ثابتة في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة أو أقوال الصحابة
السابقين من أهل الفتيا كعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود.. وكان
عبد الله بن مسعود يفضل أن يفتي باجتهاده بدلاً من أن يسند إلى الرسول - صلى الله
عليه وسلم - حديثًا لا يرى عين اليقين أنه حديث صحيح.

وقد جَدَّ في عصر أبي
حنيفة كثير من الحوادث والأقضية والأحوال، بعد اتساع الدولة وتشابك الأمور، وظهور
ألوان كثيرة خصبة من النشاط التجاري والاجتماعي، وواجه الإمام هذا كله بالاجتهاد
لاستنباط الأحكام التي تضبط العلاقات.

وما كان يبتدع في قياسه كما رماه
خصومه، وما كان يهدر السنة كما حاول ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة أن يصوراه كيدًا له،
بل كان منهجه: قياس المسألة على أخرى ليردها إلى أصل من أصول الكتاب والسنة واتفاق
الأئمة فيجتهد. وقد لخص هو منهجه في استنباط الأحكام في وصية لأحد تلاميذه ممن
تولوا القضاء، قال: إذا أشكل عليك شيء فارحل إلى الكتاب والسنة والإجماع، فإن وجدت
ذلك ظاهرًا فاعمل به، وإن لم تجده ظاهرًا فرده إلى النظائر واستشهد عليه بالأصول،
ثم اعمل بما كان إلى الأصول أقرب بها أشبه.

***
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
saoudi
المدير العام
المدير العام
saoudi


عدد الرسائل : 6048
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

شخصيات إسلامية متجدد Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات إسلامية متجدد   شخصيات إسلامية متجدد I_icon_minitimeالإثنين 14 سبتمبر 2009, 09:48

وقاده هذا الاجتهاد إلى عديد من الآراء الحرة: الدعوة إلى المساواة بين الرجل
والمرأة، في عصر بدأت المرأة فيه تتحول إلى حريم للمتاع!


فأفتى بأن للبالغة
أن تزوج نفسها، وهي حرة في اختيار زوجها! كما أفتى بعدم جواز الحجر على أحد؛ لأن في
الحجر إهدار للآدمية وسحقًا للإرادة، وأفتى بعدم جواز الحجر على أموال المدين، حتى
لو استغرقت الديون كل ثروته؛ لأن في هذا مصادرة لحريته..

وفي كل أمر من
أمور الحياة تتعرض فيه حرية الإنسان لأي قيد، أفتى الإمام أبو حنيفة باحترام الحرية
وكفالتها؛ لأن في ضياع حرية الإنسان أذًى لا يعدله أذى، لقد أفتى بكل ما ييسر الدين
والحياة على الإنسان؛ فذهب إلى أن الشك لا يلغي اليقين، وضرب لذلك مثلاً بأن من
توضأ ثم شك في أن حدثًا نقض وضوءه، ظل على وضوئه، فشكه لا يضيع يقينه، وأفتى بأنه
لا يحق لأحد أن يمنع المالك من التصرف في ملكه، ولا يحق لأحد أن يحكم على مسلم
بالكفر ما ظل على إيمانه بالله ورسوله حتى لو ارتكب المعاصي، ومن كفر مسلمًا فهو
آثم.

وأفتى بأن قراءة الإمام في الصلاة تغني عن قراءة المصلين خلفه، فتصح
صلاتهم دون قراءتهم؛ اكتفاء بقراءة الإمام وحده، وقد أثار هذا الرأي بعض الناس،
فذهبوا إلى الإمام ليحاوروه في رأيه، فقال لهم: لا يمكنني مناظرة الجميع فولوا
أعلمكم. فاختاروا واحدًا منهم ليتكلم عنهم، وسألهم أبو حنيفة إن كانوا يوافقون على
أنه إذ قد ناظر من اختاروه ليكون قد ناظرهم جميعًا فوافقوا، فقال لهم أبو حنيفة:
وهكذا نحن اخترنا الإمام فقراءته قراءتنا وهو ينوب عنا. فانصرفوا
مقتنعين.

ودعا إلى ضرورة العفو عن المخطئ إن لم تثبت عليه أدلة الإدانة
ثبوتًا قطعيًّا لا يشوبه الشك أو الظن، اعتمادًا على أن الرسول - صلى الله عليه
وسلم - أمر بدرء الحدود قدر المستطاع؛ فالحدود تدرأ بالشبهات، «فإن كان للمذنب مخرج
أخلى سبيله، ولأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة».

وهو
يطالب الناس بأن يسألوا في العلم بلا حرج، على أن يحسنوا السؤال. وكان يقول: حسن
السؤال نصف العلم. وهو في اجتهاده يعرف مكانته، إذ كان واثقًا بنفسه، معتزًّا
بكبريائه العلمي على الرغم من تواضعه الشديد.

وقد سُئل: إذا قلت قولاً وظهر
خبر لرسول الله يخالف قولك؟ قال: اترك قولي بخبر رسول الله، وكل ما صحَّ عن رسول
الله فهو على العين والرأس. فقال السائل: فإذا كان قول الصحابي يخالف قولك؟ قال:
اترك قولي بقول الصحابي. فقال السائل: فإذا كان قول التابعي يخالف قولك؟ قال أبو
حنيفة: إذا كان التابعي رجلاً فأنا رجل.

ويُروى عنه أنه ذهب إلى المدينة
المنورة فجادل الإمام مالك بن أنس يومًا في أمور اختلفا عليها، وحضر المناظرة
الإمام الليث بن سعد إمام مصر، وهو الإمام الذي عاش في عصر الإمام جعفر الصادق وأبي
حنيفة والإمام مالك، وقال عنه أحد الفقهاء المتأخرين: إنه حقًّا أفقه الناس ولكن
المصريين أضاعوه فلم يحفظوا فقهه، واستمرت المناظرة طويلاً حتى عرق الإمام مالك،
وعندما خرج أبو حنيفة قال مالك لصديقه الليث: إنه لفقيه يا مصري!

قام فقه
الإمام أبي حنيفة على احترام حرية الإرادة، ذلك أن أفدح ضرر يصيب الإنسان هو تقييد
حريته أو مصادرتها، وكل أحكامه وآرائه قائمة على أن هذه الحرية يجب صيانتها شرعًا،
وأن سوء استخدام الحرية أخف ضررًا من تقييدها! فإساءة الفتاة البالغة في اختيار
زوجها أخف ضررًا من قهرها على زواج بمن لا تريده، وسوء استخدام السفيه لماله، يمكن
علاجه بإبطال التصرفات الضارة به، أما الحجر على حريته فهو إهدار لإنسانيته، وهو
ضرر لا يصلحه شيء! وعلى أية حال فأذى الحجر أخطر من أذى ضياع المال فالحجر إيذاء
للنفس، وإهدار للإرادة، واعتداء على إنسانية الإنسان!!

وأبو حنيفة لا يجيز
الوقف إلا للمساجد؛ لأن الوقف أو الحبس يقيد حرية المالك في التصرف، بل إن الإمام -
إمعانًا منه في الدفاع عن الحياة - لا يجيز للقاضي أن يقيد حرية المالك، حتى إذا
أساء التصرف على نحو يهدد الغير، وهو يطالب بأن يترك هذا كله للشعور بالتعاون
الاجتماعي الذي يجب أن يسود أفراد الأمة، فيحترم كل منهم حرية الآخرين، ويمارس
حريته بما لا يمس مصالح الغير أو حريته، وهذا أمر يجب أن يترك للناس فيما بينهم ولا
سبيل للحاكم أو القضاء إلى التدخل لتقييد حرية المرء في التصرف مهما يكن من شيء!


ولقد جاءه رجل يشكو جاره لأنه حفر بئرًا بجوار جداره مما يؤثر في بيت
الشاكي، فطلب أبو حنيفة من الشاكي أن يحدِّث جاره ليردم البئر، ويحفر في مكان آخر،
فقال الرجل: حدثته فامتنع ظالمًا. فقال أبو حنيفة: فاحفر في دارك بالوعة في مقابل
بئره. وفعل الرجل، فاندفع ماء البئر إلى البالوعة، فاضطر الجار أن يردم البئر،
ويحفرها في مكان بعيد عن جدار الشاكي.

وهكذا مضى أبو حنيفة يوضح للناس ما في
تعاليم الإسلام من احترام للحرية والإرادة، معتمدًا على الكتاب والسنة الصحيحة
والرأي الذي يستنبطه بالقياس، مراعيًا تحقيق المصلحة أو الأعراف التي لا تتعارض مع
قواعد الإسلام ومبادئه.

وقد أغنت آراؤه في الفقه وجدان الناس وأيقظت
ضمائرهم، وحركتهم للدفاع عن حرياتهم في التصرفات، متمسكين في ممارستهم للحرية
بمبادئ الدين وأصوله، وكانت هذه الآراء كلها تناقض روح العصر الذي عاش فيه، وهو عصر
يقوم نظام الحكم فيه على تكفير الخصوم، وإهدار دمائهم، وتقييد الحريات، وإطلاق يد
الحاكم، وتمكين ذوي السطوة من الضعفاء، من أجل ذلك اتهمه خصومه من الفقهاء أصحاب
المناصب بالخروج عن الإسلام!

ثم إنه أفتى بتحريم الخروج لقتال المسلمين
والفتك بهم، وبهذا صرف بعض قواعد الجيش في عصره عن حرب العلويين وخصوم الحكام
ومعارضي آرائهم!

ومن ذلك أن الحسن بن قحطبة أحد قواعد المنصور دخل على أبي
حنيفة يسأله: أيتوب علي الله؟ وكان الحسن هذا قد قاد جيوشًا للمنصور فقتل العلويين
وخصوم العباسيين، فقال له أبو حنيفة: إذا علم الله تعالى أنك نادم على ما فعلت، فلو
خُيِّرت بين قتل مسلم وقتل نفسك لاخترت ذلك على قتله، وتجعل مع الله عهدًا على ألا
تعود لقتل المسلمين، فإن وفيت فهي توبتك. فقال القائد: إني فعلت ذلك، وعاهدت الله
على ألا أعود إلى قتل مسلم. ثم ثار العلويون، فأمر المنصور القائد أن يفتك بهم،
فجاء القائد إلى أبي حنيفة يسأله الرأي، فقال له أبو حنيفة: فقد جاء أوان توبتك، إن
وفيت بما عاهدت فأنت تائب، وإلا أخذت بالأول والآخر. فامتنع القائد عن تنفيذ أمر
المنصور، وسلم نفسه إلى العقاب وهو القتل، إذ دخل على المنصور فقال بأنه لن يقتل
المسلمين بعد! فغضب الخليفة عليه وأمر بقتله، حتى استشفع له أخوه قائلاً: إننا
لننكر عقله منذ سنة وأنه قد جُنَّ. وسأله الخليفة عمن يخالط القائد المتمرد، فقيل:
إنه يتردد على أبي حنيفة! وأسرها الخليفة لأبي حنيفة.

على أن خصوم أبي
حنيفة انتهزوا الفرصة فأوغروا صدر الخليفة، وأوحوا إليه أن يقضي على أبي حنيفة،
واتهموه بإثارة الفتنة، وتثبيط قواد الجيش، وتأليب العامة على ولي الأمر، وتكوين
حلقة من الفقهاء كلهم يدعو إلى الثورة على الخليفة.

وكان من هؤلاء الخصوم
فقيه أفتى للناس بأن تلاميذ أبي حنيفة خارجون على ولي الأمر، ومرتدون عن الإسلام!
فأن يقال: إن بالحي خمارًا خير من أن يقال: إن فيه أحدًا من أصحاب أبي حنيفة!! وكان
منهم فقيه آخر عرف وهو في الحج أن أحد أصحاب أبي حنيفة سيصلي بالناس فلم يستطع كظم
غيظه وصاح: الآن يطيب لي الموت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
saoudi
المدير العام
المدير العام
saoudi


عدد الرسائل : 6048
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

شخصيات إسلامية متجدد Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات إسلامية متجدد   شخصيات إسلامية متجدد I_icon_minitimeالإثنين 14 سبتمبر 2009, 09:48

ورفض أبو حنيفة أن يقبل المناصب، عرض عليه الأمويون منصب القاضي فرفضه، فسجنوه
وعذبوه في السجن، وظلُّوا يضربونه كل يوم بالسياط حتى ورم رأسه، ومع ذلك فلم يقبل
المنصب؛ لأنه كان يرى أن تحمل المسؤولية في عهد يعتَبِر هو حاكميه ظالمين مغتصبين،
إنما هو مشاركة في الظلم وإقرار للاغتصاب..

وفي السجن تذكر أمه الحزينة
فبكى، وسأله جاره في السجن عما يبكيه وهو الفقيه الجليل الصلب، فقال من خلال دموعه:
والله ما أوجعتني السياط، بل تذكرت أمي فآلمتني دموعها.

وساءت صحته في
السجن، وبدأت الثورة تتجمع ضد الخليفة الأموي احتجاجًا على ما يحدث لأبي حنيفة
فأطلق سراحه، ولم يعد له مقام في الكوفة التي شهدت عذابه، فترك مسقط رأسه، ومرح
شبابه، بكل ما فيها من ذكريات عزيزة وآمال عذبة، وأقام بالحجاز حتى سقطت الدولة
الأموية، فعاد إلى موطنه.

ولكن العباسيين لم يتركوه، فمنذ شعر بخيبة الأمل
فيهم لبغيهم واضطهادهم للعلويين، واصطناعهم المرتزقة من الفقهاء، بدأ يجهر برأيه في
استبدادهم وطغيانهم، ورفض كل هداياهم، كما رفض هدايا الأمويين من قبل، وعرضوا عليه
منصب قاضي القضاة فأبى، وتمسك بالتفرغ للعلم، قالوا له بأنه قد حصل من العلم ما
يجعله في غنًى عنه، فردَّ: مَن ظن أنه يستغني عن العلم فليبكِ على نفسه.

بعد
أن فرغ المنصور من بناء بغداد، وأقام فيها معتزًّا بها، حرص على أن يجعل أكبر فقهاء
العراق قاضي القضاة فيها، وكان أبو حنيفة قد أصبح أكبر الفقهاء بالعراق؛ حتى سماه
أتباعه ومريدوه: الإمام الأعظم، ولكن الإمام صمم على الرفض، كان يعرف ما ينتظره؛
فابن أبي ليلى لا يكفُّ عن الكيد له، وهو لا يغفر لأبي حنيفة ما يوجهه من نقد لاذع
لأحكامه.

وقد ضم ابن أبي ليلى إليه حاجب الخليفة ووزيره الأول، وكان أبو
حنيفة قد أحرجه وكشف أكاذيبه أمام الخليفة في محاورة حاول فيها الوزير الأول أن
يوقع بالإمام، ففضحه الإمام وأفسد حيلته.

وقد أفتى أبو حنيفة بأن الوزير لا
تصح شهادته؛ لأنه يقول للخليفة: أنا عبدك، فإن صدق فهو عبد ولا شهادة له، وإن كذب
فلا شهادة لكاذب!!

وقد أخذ أحد تلاميذ أبي حنيفة بهذا النظر فيما بعد حين
ولي القضاء، فرد شهادة الوزير الأول لخليفة آخر؛ لأنه قبل الأرض بين يدي الخليفة
قائلاً له: أنا عبدك!

***

اتسعت الفتوحات حتى أصبح البحر الأبيض
المتوسط بحيرة إسلامية، وحتى ارتفعت الراية الإسلامية فوق شرق أوربا وجنوبها
والأندلس، وكل بلاد العالم التي عرفها إنسان ذلك العصر، وعلى الرغم من ازدهار
الحضارة، فقد شغل رجال الحاشية بالكيد لأبي حنيفة، يظاهرهم بعض الفقهاء أصحاب
المناصب وأهل الحظوة عند الخليفة.

وأخذ الوزير الأول يكيد عند الخليفة لأبي
حنيفة، وانتهز فرصة خروج أهل الموصل على الخليفة، وكانوا قد شرطوا على أنفسهم إن هم
خرجوا على الخليفة أن تباح دماؤهم وأموالهم، وأرسل الخليفة إلى ابن شبرمة وابن أبي
ليلى ليسألهما رأي الدين في أهل الموصل، وكان قد أعد جيشًا للفتك بهم، واقترح
الوزير الأول على الوزير أن يدعو أبا حنيفة، وكان يعرف أن تقواه وشجاعته وكل فضائله
ستقوده إلى مخالفة رأي الخليفة، وحضر الفقهاء الثلاثة، فسألهم عن حكم الشرع في أهل
الموصل، وسكت أبو حنيفة وأفتى الآخران بأن أهل الموصل يستحقون الفتك بهم! وأفتى أبو
حنيفة بأن الخليفة لا يحق له الفتك بأهل الموصل؛ لأنهم بإباحتهم أرواحهم وأموالهم
إنما أباحوا ما لا يملكون، وسأل: لو أن امرأة أباحت نفسها بغير عقد زواج، أتحل لمن
وهبته نفسها؟ فقال له الخليفة: لا. فطلب الإمام أبو حنيفة منه أن يكف عن أهل الموصل
فدمهم حرام عليه، وأن يوجِّه الجيش إلى حماية الثغور، أو إلى فتح جديد لنشر
الإسلام، بدلا من أن يضرب به المسلمين.

وضاق به الخليفة وأمره أن ينصرف،
ومَن حول الخليفة أعداء الإمام يستفزونه للبطش به، وفي مقدمتهم ابن أبي ليلى قاضي
القضاة وتابعه شبرمة، ومضى أبو حنيفة إلى داره، وهو يقول لصحبه: إن ابن أبي ليلى
ليستحل مني ما لا استحله من حيوان!

وفي الحق أن ابن أبي ليلى وشبرمة والعصبة
المعادية لأبي حنيفة في قصر الخليفة زينت للخليفة أن يقهر أبا حنيفة على قبول ما
يعرضه عليه من مناصب، فإذا أبى فقد امتنع عن أداء واجب شرعي فحق عليه العقاب، ووجب
أن يُشهَّر به في الأمة؛ لأنه يتخلى عن خدمتها! واقترحوا على الخليفة أن يبدأ
فيمتحن ولاءه، فيرسل إليه هدية، وكانوا يعرفون سلفًا أن الإمام أبا حنيفة لن يقبل
الهدية! وأرسل له الخليفة مالاً كثيرًا وجارية، فرد الهدية شاكرًا.

ثم أرسل
الخليفة إليه يلح عليه في ولاية القضاء أو في أن يكون مفتيًا للدولة يرجع إليه
القضاة فيمن يصعب عليهم القضاء فيه بما أنه يكثر من لوم القضاة على أحكامهم، ويكشف
للعامة جهل شيخهم ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة!

ورفض أبو حنيفة، فاستدعاه
الخليفة يسأله عن سبب رفضه، فقال له: والله ما أنا بمأمون الرضا، فكيف أكون مأمون
الغضب؟! ولو اتجه الحكم عليك ثم هددتني أن تغرقني في الفرات أو الحكم لك لاخترت أن
أغرق، ثم إن تلك حاشية يحتاجون إلى مَن يكرمهم لك، فلا أصلح لذلك.

وكانت
الحاشية كلها تحيط بالخليفة، وعلى رأسها وزيره الأول والفقيهان ابن أبي ليلى
وشبرمة، فأبدوا التذمر وبان عليهم استنكار ما يقوله الإمام أبو حنيفة، فقال الخليفة
محنقًا: كذبت. فقال أبو حنيفة في هدوء: قد حكمت على نفسك، كيف يحل لك أن تولي
قاضيًا على أمانتك وهو كاذب؟!

وبعد قليل سأله الخليفة عن سبب رفض هداياه،
فقال له أبو حنيفة بأنها من بيت مال المسلمين، ولا حق في بيت المال إلا للمقاتلين
أو الفقراء أو العاملين في الدولة بأجر، وأنه ليس واحدًا من هؤلاء!

فأمر
الخليفة بحبسه وضربه بالسياط حتى يقبل منصب قاضي قضاة بغداد!

وها هو شيخ في
السبعين أثقلته المعارك والدسائس والهموم، ومكابدة الفقه والعلم والتحرج.. ها هو ذا
يضرب، ويظل يضرب بالسياط في قبو سجن مظلم، ورسل الخليفة يعرضون عليه هدايا الخليفة،
ومنصب القضاء والإفتاء.. وهو يرفض!! فيعاد إلى السجن ليعذب من جديد، ويكررون العرض،
وهو يكرر الرفض، داعيًا الله: اللهم أبعد عني شرهم بقدرتك.

وظل في سجنه
يعرضون عليه الجاه والمنصب والمال فيأبى، ويعذب من جديد! وتدهورت صحته، وأشرف على
الهلاك، وخشي معذبوه أن يخرج فيروي للناس ما قاسى في السجن، فيثور الناس! وقرروا أن
يتخلصوا منه فدسوا له السم، وأخرجوه وهو يعاني سكرات الموت، وما عاد يستطيع أن يروي
لأحد شيئا بعد!!

وحين شعر بأنها النهاية أوصى بأن يُدفن في أرض طيبة لم
يغتصبها الخليفة أو أحد رجاله، وهكذا مات فارس الرأي الذي عرف في السنوات الأخيرة
من حياته باسم "الإمام الأعظم"، وشيعه خمسون ألفًا من أهل العراق، واضطر الخليفة أن
يصلي على الإمام الذي استقر إلى الأبد في ركن هادئ من الدنيا لم يشبه غضب، والخليفة
يُهمهم: مَن يعذرني من أبي حنيفة حيًّا وميتًا؟

وهكذا مضى بطل الفكر الشجاع
شهيدًا لحرية الرأي في محنة من العذاب لم يعرفها أحد من الفقهاء من بعده، حتى كانت
محنة الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة في عصر زري كذلك العصر.. عصر تحكمه
الدسائس والسموم وسياط الجلاَّدين، على الرغم من روعة الفتوحات العسكرية، وانتصارات
العقل الإنساني، ويبطش فيه المزيفون برهان الحرية وفرسان الفكر.

وتظل
المنارات الشامخة فيه مضيئة على الرغم من كل شيء، تقدم للإنسانية جيلاً بعد جيل
عطاءً خالدًا من شعاع المعرفة والقوة، وجسارة الكلمة الصادقة الأبية
الفاضلة!

قالوا عنه:

قال عنه الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي
حنيفة.

وقال عنه النضر بن شميل: كان الناس نيامًا في الفقه حتى أيقظهم أبو
حنيفة.

وقيل: لو وُزن علم الإمام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه؛ لرجح علمه
عليهم.

وقال عنه ابن المبارك: ما رأيت في الفقه مثل أبي حنيفة.


وقال عنه يزيد بن هارون: ما رأيت أحدًا أحلم من أبي حنيفة.

رحم
الله الإمام الأعظم أبا حنيفة
النعمان


--------------------------------------------------------------------------------

المصدر:
عبد الرحمن الشرقاوي، "أئمة الفقه التسعة" العصر الحديث للنشر والتوزيع 1985م


وانظر ترجمته في:
- سير أعلام النبلاء 6/390.
- تهذيب التهذيب
10/449.
- البداية والنهاية 10 / 10 .
- الجرح والتعديل 8 / 449.
-
شذرات الذهب 1/ 227.
- الرسالة المستطرفة ص 13.
- تهذيب الأسماء واللغات 2/
216.
- تاريخ بغداد 13/ 323 : 423، ترجمة 7297.
- الأعلام للزركلي 8/ 36.

- معجم المؤلفين 4/ 32، ترجمة رقم
17672.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شخصيات إسلامية متجدد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الوفاء :: الوفاء الاسلامي و الأخلاقي :: الشريعة الاسلامية :: المواضيع الاسلامية-
انتقل الى: